وزيادة (مِنْ قَبْلُ) للإشارة إلى أن ذلك العهد قديم مستقر وهو عهد يوم أحد. وجملة (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) بيان لجملة (عاهَدُوا).
والتولية : التوجه بالشيء وهي مشتقة من الولي وهو القرب ، قال تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤].
و (الْأَدْبارَ) : الظهور. وتولية الأدبار : كناية عن الفرار فإن الذي استأذنوا لأجله في غزوة الخندق أرادوا منه الفرار ألا ترى قوله (إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزاب : ١٣] ، والفرار مما عاهدوا الله على تركه.
وجملة (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) تذييل لجملة (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا) إلخ ... والمراد بعهد الله : كل عهد يوثقه الإنسان مع ربه.
والمسئول : كناية عن المحاسب عليه كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وكلكم مسئول عن رعيته»، وكما تقدم آنفا عند قوله تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب : ٨] وهذا تهديد.
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦))
جواب عن قولهم (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] ولذلك فصّلت لأنها جرت على أسلوب التقاول والتجاوب ، وما بين الجملتين من قوله (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ) إلى قوله (مَسْؤُلاً) [الأحزاب : ١٤ ـ ١٥] اعتراض كما تقدم. وهذا يرجح أن النبيصلىاللهعليهوسلم لم يأذن لهم بالرجوع إلى المدينة وأنه ردّ عليهم بما أمره الله أن يقوله لهم ، أي : قد علم الله أنكم ما أردتم إلا الفرار جبنا والفرار لا يدفع عنكم الموت أو القتل ، فمعنى نفي نفعه : نفي ما يقصد منه لأن نفع الشيء هو أن يحصل منه ما يقصد له.
فقوله (مِنَ الْمَوْتِ) يتعلق ب (الْفِرارُ) و (فَرَرْتُمْ) وليس متعلقا ب (يَنْفَعَكُمُ) لأن متعلق (يَنْفَعَكُمُ) غير مذكور لظهوره من السياق ، فالفائدة مستغنية عن المتعلق ، أي : لن ينفعكم بالنجاة.
ومعنى نفي نفع الفرار وإن كان فيه تعاطي سبب النجاة ، هذا السبب غير مأذون فيه لوجوب الثبات في وجه العدوّ مع النبي صلىاللهعليهوسلم فيتمحض في هذا الفرار مراعاة جانب الحقيقة وهو ما قدر للإنسان من الله إذ لا معارض له ، فلو كان الفرار مأذونا فيه لجاز