(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧))
(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً).
يظهر أن هذه الجملة واقعة موقع التعليل لجملة (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ) الآية [الأحزاب : ١٦] ، فكأنه قيل : فمن ذا الذي يعصمكم من الله ، أي : فلا عاصم لكم من نفوذ مراده فيكم. وإعادة فعل (قُلْ) تكرير لأجل الاهتمام بمضمون الجملة.
والمعنى : لأن قدرة الله وإرادته محيطة بالمخلوقات فمتى شاء عطّل تأثير الأسباب أو عرقلها بالموانع فإن يشأ شرّا حرم الانتفاع بالأسباب أو الاتقاء بالموانع فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد ، ومتى شاء خيرا خاصا بأحد لطف له بتمهيد الأسباب وتيسيرها حتى يلاقي من التيسير ما لم يكن مترقبا ، ومتى لم تتعلق مشيئته بخصوص أرسل الأحوال في مهيعها وخلّى بين الناس وبين ما سببه في أحوال الكائنات فنال كل أحد نصيبا على حسب فطنته ومقدرته واهتدائه ، فإن الله أودع في النفوس مراتب التفكير والتقدير ؛ فأنتم إذا عصيتم الله ورسوله وخذلتم المؤمنين تتعرضون لإرادته بكم السوء فلا عاصم لكم من مراده ، فالاستفهام إنكاري في معنى النفي لاعتقادهم أن الحيلة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تنفعهم وأن الفرار يعصمهم من الموت إن كان قتال.
وجملة (مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ) إلخ جواب الشرط في قوله (إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) إلخ ، أو دليل الجواب عند نحاة البصرة.
والعصمة : الوقاية والمنع مما يكرهه المعصوم. وقوبل السوء بالرحمة لأن المراد سوء خاص وهو السوء المجعول عذابا لهم على معصية الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو سوء النقمة فهو سوء خاص مقدّر من الله لأجل تعذيبهم إن أراده ، فيجري على خلاف القوانين المعتادة.
وعطف (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) على (أَرادَ بِكُمْ) المجعول شرطا يقتضي كلاما مقدرا في الجواب المتقدم ، فإن إرادته الرحمة تناسب فعل (يَعْصِمُكُمْ) لأن الرحمة مرغوبة.
فالتقدير : أو يحرمكم منه إن أراد بكم رحمة ، فهو من دلالة الاقتضاء إيجازا للكلام ، كقول الراعي :
إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا |