جرم لشابه الظلم ، فجعل من مجموع نفي ظلم الله إياهم ومن إثبات ظلمهم أنفسهم معرفة أنهم كذّبوا الرسل وعاندوهم وحلّ بهم ما هو معلوم من مشاهدة ديارهم وتناقل أخبارهم.
والاستدراك ناشئ على ما يقتضيه نفي ظلم الله إياهم من أنهم عوملوا معاملة سيئة لو لم يستحقوها لكانت معاملة ظلم. وعبر عن ظلمهم أنفسهم بصيغة المضارع للدلالة على استمرار ظلمهم وتكرره وأن الله أمهلهم فلم يقلعوا حتى أخذهم بما دلت عليه تلك العاقبة ، والقرينة قوله (كانُوا).
وتقديم (أَنْفُسَهُمْ) وهو مفعول (يَظْلِمُونَ) على فعله للاهتمام بأنفسهم في تسليط ظلمهم عليها لأنه ظلم يتعجب منه ، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة. وليس تقديم المفعول هنا للحصر لأن الحصر حاصل من جملتي النفي والإثبات.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))
(ثُمَ) للتراخي الرتبي لأن هذه العاقبة أعظم رتبة في السوء من عذاب الدنيا ، فيجوز أن يكون هذا الكلام تذييلا لحكاية ما حلّ بالأمم السالفة من قوله (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [الروم : ٩].
والمعنى : ثم عاقبة كل من أساءوا السوأى مثلهم ، فيكون تعريضا بالتهديد لمشركي العرب كقوله تعالى (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) [محمد : ١٠] ، فالمراد ب (الَّذِينَ أَساؤُا) كل مسيء من جنس تلك الإساءة وهي الشرك. ويجوز أن يكون إنذارا لمشركي العرب المتحدث عنهم من قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم : ٦] فيكونوا المراد ب (الَّذِينَ أَساؤُا) ، ويكون إظهارا في مقام الإضمار على خلاف مقتضى الظاهر لقصد الإيماء بالصلة ، أي أن سبب عاقبتهم السوأى هو إساءتهم ، وأصل الكلام : ثم كان عاقبتهم السوأى. وهذا إنذار بعد الموعظة ونص بعد القياس ، فإن الله وعظ المكذبين للرسول صلىاللهعليهوسلم بعواقب الأمم التي كذبت رسلها ليكونوا على حذر من مثل تلك العاقبة بحكم قياس التمثيل ، ثم أعقب تلك الموعظة بالنذارة بأنهم ستكون لهم مثل تلك العاقبة بحكم قياس التمثيل ، ثم أعقب تلك الموعظة بالنذارة بأنهم ستكون لهم مثل تلك العاقبة ، وأوقع فعل (كانَ) الماضي في موقع المضارع للتنبيه على تحقيق وقوعه مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] إتماما للنذارة.
والعاقبة : الحالة الأخيرة التي تعقب حالة قبلها. وتقدمت في قوله : (ثُمَّ انْظُرُوا