والعدول عن المضارع إلى فعل الماضي في قوله : (أَعْتَدْنا) لإفادة تحقيق وقوعه.
والرزق الكريم : هو رزق الجنة قال تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) [البقرة: ٢٥] الآية. ووصفه بالكريم لأنه أفضل جنسه. وقد تقدم في قوله تعالى : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩].
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢))
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ).
أعيد خطابهن من جانب ربهنّ وأعيد نداؤهن للاهتمام بهذا الخبر اهتماما يخصّه.
وأحد : اسم بمعنى واحد مثل : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] وهمزته بدل من الواو. وأصله : وحد بوزن فعل ، أي متوحّد ، كما قالوا : فرد بمعنى منفرد. قال النابغة يذكر ركوبه راحلته :
كان رحلي وقد زال النهار بنا |
|
يوم الجليل على مستأنس وحد |
يريد على ثور وحشي منفرد. فلما ثقل الابتداء بالواو شاع أن يقولوا : أحد ، وأكثر ما يستعمل في سياق النفي ، قال تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٧] فإذا وقع في سياق النفي دل على نفي كل واحد من الجنس.
ونفي المشابهة هنا يراد به نفي المساواة مكنّى به عن الأفضلية على غيرهنّ مثل نفي المساواة في قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [النساء : ٩٥] ، فلو لا قصد التفضيل ما كان لزيادة (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) وجد ولا لسبب نزولها داع كما تقدم في سورة النساء [٩٥]. فالمعنى : أنتنّ أفضل النساء ، وظاهره تفضيل لجملتهن على نساء هذه الأمة ، وسبب ذلك أنهن اتصلن بالنبيء عليه الصلاة والسلام اتصالا أقرب من كل اتصال وصرن أنيساته ملازمات شئونه فيختصصن باطلاع ما لم يطلع عليه غيرهن من أحواله وخلقه في المنشط والمكره ، ويتخلقن بخلقه أكثر مما يقتبس منه غيرهن ، ولأن إقباله عليهن إقبال خاص ، ألا ترى إلى قولهصلىاللهعليهوسلم : «حبّب إليكم من دنياكم النساء والطيب» ، وقال تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) [النور : ٢٦]. ثم إن نساء النبي عليه الصلاة والسلام يتفاضلن بينهن.