والتقييد بقوله : (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) ليس لقصد الاحتراز عن ضد ذلك وإنما هو إلهاب وتحريض على الازدياد من التقوى ، وقريب من هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم لحفصة : «إن عبد الله ـ يعني أخاها ـ رجل صالح لو كان يقوم من الليل» ، فلما أبلغت حفصة ذلك عبد الله بن عمر لم يترك قيام الليل بعد ذلك لأنه علم أن المقصود التحريض على القيام.
وفعل الشرط مستعمل في الدلالة على الدوام ، أي إن دمتنّ على التقوى فإن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم متّقيات من قبل ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
واعلم أن ظاهر هذه الآية تفضيل أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم على جميع نساء هذه الأمة. وقد اختلف في التفاضل بين الزوجات وبين بنات النبي صلىاللهعليهوسلم. وعن الأشعري الوقف في ذلك ، ولعل ذلك لتعارض الأدلة السمعية ولاختلاف جهات أصول التفضيل الدينية والروحية بحيث يعسر ضبطها بضوابط. أشار إلى جملة منها أبو بكر بن العربي في «شرح الترمذي» في حديث رؤيا رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه رأى ميزانا نزل من السماء فوزن النبي صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، فرجح النبي صلىاللهعليهوسلم ، ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان. والجهات التي بنى عليها أبو بكر بن العربي أكثرها من شئون الرجال. وليس يلزم أن تكون بنات النبي ولا نساؤه سواء في الفضل. ومن العلماء من جزموا بتفضيل بنات رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أزواجه وبخاصة فاطمة رضياللهعنها وهو ظاهر كلام التفتازانيّ في كتاب «المقاصد». وهي مسألة لا يترتب على تدقيقها عمل فلا ينبغي تطويل البحث فيها.
والأحسن أن يكون الوقف على (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) ، وقوله (فَلا تَخْضَعْنَ) ابتداء تفريع وليس هو جواب الشرط.
(فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً).
فرع على تفضيلهن وترفيع قدرهن إرشادهنّ إلى دقائق من الأخلاق قد تقع الغفلة عن مراعاتها لخفاء الشعور بآثارها ، ولأنها ذرائع خفية نادرة تفضي إلى ما لا يليق بحرمتهن في نفوس بعض ممن اشتملت عليه الأمة ، وفيها منافقوها.
وابتدئ من ذلك بالتحذير من هيئة الكلام فإن الناس متفاوتون في لينه ، والنساء في كلامهن رقّة طبيعية وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضمّ إلى لينها الجبليّ قربت هيئته من هيئة التدلّل لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة. فإذا بدا ذلك على