ساءت ، وإذا ندرت المحامد دافعوها إذا رامت مداخلة عقولهم وشاءت ، وكل ذلك من تحريف الفطرة عن وضعها ، والمباعدة بين الحقائق وشرعها.
ولما جاء الإسلام أخذ يغزو تلك الجيوش ليقلعها من أقاصيها ، وينزلها من صياصيها ، فالحسن المشروع ما تشهد الفطرة لحسنه ، والقبيح الممنوع الذي أماتته الشريعة وأمرت بدفنه.
(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
تفريع على جملة (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الآية ، وقد طوي كلام يدل عليه السياق ، وتقديره : فلم يقبل منك ما أشرت عليه ولم يمسكها.
ومعنى (قَضى) استوفى وأتم. واسم (زَيْدٌ) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : فلما قضى منها وطرا ، أي قضى الذي أنعم الله وأنعمت عليه ، فعدل عن مقتضى الظاهر للتنويه بشأن زيد. قال القرطبي : قال السهيلي : كان يقال له زيد بن محمد فلما نزع عنه هذا الشرف حين نزل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) [الأحزاب : ٥] وعلم الله وحشته من ذلك شرّفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدا من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم وهي أنه سماه في القرآن ، ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم نوّه غاية التنويه ا ه.
والوطر : الحاجة المهمة ، والنهمة قال النابغة :
فمن يكن قد قضى من خلة وطرا |
|
فإنني منك ما قضّيت أوطاري |
والمعنى : فلما استتم زيد مدة معاشرة زينب فطلقها ، أي فلما لم يبق له وطر منها.
ومعنى (زَوَّجْناكَها) أذنّا لك بأن تتزوجها ، وكانت زينب أيّما فتزوجها الرسول عليه الصّلاة والسّلام برضاها. وذكر أهل السير : أنها زوّجها إياه أخوها أبو أحمد الضرير واسمه عبد بن جحش ، فلما أمره الله بتزوجها قال لزيد بن حارثة : ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب عليّ ، قال زيد : فجئتها فوليتها ظهري توقيرا لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم وقلت : يا زينب أرسل رسول الله يذكرك. فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، وقامت إلى مسجدها وصلّت صلاة الاستخارة فرضيت ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخل فبنى بها. وكانت زينب تفخر على نساء النبي صلىاللهعليهوسلم وتقول : زوجكنّ آباؤكن وزوّجني ربّي. وهذا يقتضي إن لم يتول أخوها أبو أحمد تزويجها فتكون هذه خصوصية للنبيصلىاللهعليهوسلم عند الذين يشترطون