العذاب لئلا يكون مجرد تأكيد بمدلول في الظرفية فإن التأسيس أوقع من التأكيد ، ويجوز أن يكون محضرون بمعنى مأتيّ بهم إلى العذاب فقد كثر في القرآن استعمال محضر ونحوه بمعنى معاقب ، قال تعالى (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات : ١٥٨] ، واسم الإشارة تنبيه على أنهم أحرياء بتلك العقوبة لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة كقوله (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥].
وكتب في رسم المصحف ولقائي بهمزة على ياء تحتية للتنبيه على أن الهمزة مكسورة وذلك من الرسم التوقيفي ، ومقتضى القياس أن تكتب الهمزة في السطر بعد الألف.
[١٧ ـ ١٨] (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨))
الفاء تقتضي اتصال ما بعدها بما قبلها وهي فاء فصيحة ، أو عطف تفريع على ما قبلها وقد كان أول الكلام قوله (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الروم : ٨] ، والضمير عائد إلى أكثر الناس في قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم : ٦] والمراد بهم الكفار فالتفريع أو الإفصاح ناشئ عن ذلك فيكون المقصود من (فَسُبْحانَ اللهِ) إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم وإنشاء ثناء عليه.
والخطاب في (تُمْسُونَ) و (تُصْبِحُونَ) تابع للخطاب الذي قبله في قوله (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم : ١١] ، وهو موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) [الروم : ٨] إلى آخرها كما علمت آنفا. وهذا هو الأنسب باستعمال مصدر (سبحان) في مواقع استعماله في الكلام وفي القرآن مثل قوله تعالى (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر : ٦٧] وهو الغالب في استعمال مصدر سبحان في الكلام إن لم يكن هو المتعين كما تقتضيه أقوال أئمة اللغة. وهذا غير استعمال نحو قوله تعالى (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : ٤٨] وقول الأعشى في داليته :
وسبّح على حين العشيات والضحى
وقوله (حِينَ تُمْسُونَ) ، و (حِينَ تُصْبِحُونَ) [النور : ٥٨] ، و (عَشِيًّا) ، و (حِينَ تُظْهِرُونَ) ظروف متعلقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل ، أي ينشأ تنزيه الله في هذه الأوقات