التبرّؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «سبحان الله! المؤمن لا ينجس». وقول هند بنت عتبة حين أخذ على النساء البيعة «أن لا يزنين» : سبحان الله أتزني الحرّة.
والبكرة : أول النهار. والأصيل : العشيّ الوقت الذي بعد العصر. وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان (اذْكُرُوا اللهَ) .. و (سَبِّحُوهُ).
والمقصود من البكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المكنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية عن استيعابه كقول طرفة :
لكالطّول المرخى وثنياه باليد
ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلّها ، والرأس والعقب كناية عن الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك.
وقدّم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة. وليس الأصيل جديدا بالتقديم في الذكر كما قدم لفظ (تُمْسُونَ) في قوله في سورة الروم (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ (تُمْسُونَ) هنالك رعيا لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإسلام وليست كذلك كلمة الأصيل.
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣))
تعليل للأمر بذكر الله وتسبيحه بأن ذلك مجلبة لانتفاع المؤمنين بجزاء الله على ذلك بأفضل منه من جنسه وهو صلاته وصلاة ملائكته. والمعنى : أنه يصلي عليكم وملائكته إذا ذكرتموه ذكرا بكرة وأصيلا.
وتقديم المسند إليه على الخير الفعلي في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) لإفادة التقوّي وتحقيق الحكم. والمقصود تحقيق ما تعلق بفعل (يُصَلِّي) من قول (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
والصلاة : الدعاء والذكر بخير ، وهي من الله الثناء. وأمره بتوجيه رحمته في الدنيا والآخرة ، أي اذكروه ليذكركم كقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] وقوله في الحديث القدسي : «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم».