وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين فيكون دعاؤهم مستجابا عند الله فيزيد الذاكرين على ما أعطاهم بصلاته تعالى عليهم. ففعل (يُصَلِّي) مسند إلى الله وإلى ملائكته لأن حرف العطف يفيد تشريك المعطوف والمعطوف عليه في العامل ، فهو عامل واحد له معمولان فهو مستعمل في القدر المشترك الصالح لصلاة الله تعالى وصلاة الملائكة الصادق في كلّ بما يليق به بحسب لوازم معنى الصلاة التي تتكيّف بالكيفية المناسبة لمن أسندت إليه.
ولا حاجة إلى دعوى استعمال المشترك في معنييه على أنه لا مانع منه على الأصح ، ولا إلى دعوى عموم المجاز. واجتلاب (يُصَلِّي) بصيغة المضارع لإفادة تكرر الصلاة وتجددها كلما تجدد الذكر والتسبيح ، أو إفادة تجددها بحسب أسباب أخرى من أعمال المؤمنين وملاحظة إيمانهم.
وفي إيراد الموصول إشارة إلى أنه تعالى معروف عندهم بمضمون الصلة بحسب غالب الاستعمال : فإمّا لأن المسلمين يعلمون على وجه الإجمال أنهم لا يأتيهم خير إلّا من جانب الله تعالى ، فكل تفصيل لذلك الإجمال دخل في علمهم ، ومنه أنه يصلي عليهم ويأمر ملائكته بذلك ، وإمّا أن يكون قد سبق لهم علم بذلك تفصيلا من قبل : فبعض آيات القرآن كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥] فقد علم المسلمون أن استغفار الملائكة للمؤمنين بأمر من الله تعالى لقوله تعالى : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس : ٣] ، والدعاء لأحد من الشفاعة له ، على أن من جملة صلة الموصول أن ملائكته يصلّون على المؤمنين. وذلك معلوم من آيات كثيرة ، وقد يكون ذلك بإخبار النبي صلىاللهعليهوسلم المؤمنين فيما قبل نزول هذه الآية ، ويؤيد هذا المعنى قوله بعده (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) كما يأتي قريبا.
واللام في قوله : (لِيُخْرِجَكُمْ) متعلقة ب (يُصَلِّي). فعلم أن هذه الصلاة جزاء عاجل حاصل وقت ذكرهم وتسبيحهم.
والمراد ب (الظُّلُماتِ) : الضلالة ، وب (النُّورِ) : الهدى ، وبإخراجهم من الظلمات : دوام ذلك والاستزادة منه لأنهم لما كانوا مؤمنين كانوا قد خرجوا من الظلمات إلى النور (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦].
وجملة (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) تذييل.