ودلّ الإخبار عن رحمته بالمؤمنين بإقحام فعل (كانَ) وخبرها لما تقتضيه (كانَ) من ثبوت ذلك الخبر له تعالى وتحققه وأنه شأن من شئونه المعروف بها في آيات كثيرة.
ورحمته بالمؤمنين أعمّ من صلاته عليهم لأنها تشمل إسداء النفع إليهم وإيصال الخير لهم بالأقوال والأفعال والألطاف.
(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))
أعقب الجزاء العاجل الذي أنبأ عنه قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤٣] بذكر جزاء آجل وهو ظهور أثر الأعمال التي عملوها في الدنيا وأثر الجزاء الذي عجّل لهم عليها من الله في كرامتهم يوم يلقون ربهم.
فالجملة تكملة للتي قبلها لإفادة أن صلاة الله وملائكته واقعة في الحياة الدنيا وفي الدار الآخرة.
والتحية : الكلام الذي يخاطب به عند ابتداء الملاقاة إعرابا عن السرور باللقاء من دعاء ونحوه. وهذا الاسم في الأصل مصدر حيّاه ، إذا قال له : أحياك الله ، أي أطال حياتك. فسمى به الكلام المعرب عن ابتغاء الخير للملاقى أو الثناء عليه لأنه غلب أن يقولوا : أحياك الله عند ابتداء الملاقاة فأطلق اسمها على كل دعاء وثناء يقال عند الملاقاة وتحية الإسلام : سلام عليك أو السلام عليكم ، دعاء بالسلامة والأمن ، أي من المكروه لأن السلامة أحسن ما يبتغى في الحياة. فإذا أحياه الله ولم يسلّمه كانت الحياة ألما وشرا ، ولذلك كانت تحية المؤمنين يوم القيامة السلام بشارة بالسلامة مما يشاهده الناس من الأهوال المنتظرة. وكذلك تحية أهل الجنة فيما بينهم تلذّذا باسم ما هم فيه من السلامة من أهوال أهل النار ، وتقدم في قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) في سورة يونس [١٠].
وإضافة التحية إلى ضمير المؤمنين من إضافة اسم المصدر إلى مفعوله ، أي تحية يحيّون بها.
ولقاء الله : الحضور من حضرة قدسه للحساب في المحشر. وتقدم تفصيل الكلام عليها عند قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) في سورة البقرة [٢٢٣]. وهذا اللقاء عام لجميع الناس كما قال تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) [التوبة : ٧٧] فميّز