وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان إليها ، والمقصود التأبيد كما تقول : سبحان الله دوما. وسلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء. وجوّز بعض المفسرين أن يكون (فَسُبْحانَ) هنا مصدرا واقعا بدلا عن فعل أمر بالتسبيح كأنه قيل : فسبحوا الله سبحانا. وعليه يخرج ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم. وتلا قوله تعالى (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) إلى قوله (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) فإذا صح ما روي عنه فتأويله : أن سبحان أمر بأن يقولوا : سبحان الله ، وهو كناية عن الصلاة لأن الصلاة تشتمل على قول : سبحان ربي الأعلى وبحمده.
وقوله (حِينَ تُمْسُونَ) إلى آخره إشارة إلى أوقات الصلوات وهو يقتضي أن يكون الخطاب موجها إلى المؤمنين. والمناسبة مع سابقه أنه لما وعدهم بحسن مصيرهم لقّنهم شكر نعمة الله بإقامة الصلاة في أجزاء اليوم والليلة. وهذا التفريع يؤذن بأن التسبيح والتحميد الواقعين إنشاء ثناء على الله كناية عن الشكر عن النعمة لأن التصدي لإنشاء الثناء عقب حصول الإنعام أو الوعد به يدل على أن المادح ما بعثه على المدح في ذلك المقام إلا قصد الجزاء على النعمة بما في طوقه ، كما ورد(فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له).
وليست الصلوات الخمس وأوقاتها هي المراد من الآية ولكن نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرآن ، لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السبحة فلا يطلق عليها : سبحان الله. وأضيف الحين إلى جملتي (تُمْسُونَ) و (تُصْبِحُونَ). وقدم فعل الإمساء على فعل الإصباح : إما لأن الاستعمال العربي يعتبرون فيه الليالي مبدأ عدد الأيام كثيرا قال تعالى (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) [سبأ : ١٨] ، وإما لأن الكلام لما وقع عقب ذكر الحشر من قوله (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم : ١١] وذكر قيام الساعة ناسب أن يكون الإمساء وهو آخر اليوم خاطرا في الذهن فقدم لهم ذكره.
و (عَشِيًّا) عطف على (حِينَ تُمْسُونَ). وقوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا.
وتقديم المجرور في (وَلَهُ الْحَمْدُ) لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم : فلان الشجاع ، كما تقدم في طالعة