مقابلة بشارة المؤمنين كما تقدم.
وقوله : (وَدَعْ أَذاهُمْ) ناظر إلى قوله : (شاهِداً) [الأحزاب : ٤٥] كما علمت. وقوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ناظر إلى قوله : (وَداعِياً إِلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٦]. وأما قوله : (وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٦] فلم يذكر له مقابل في هذه المطالب إلا أنه لما كان كالتذييل للصفات كما تقدم ناسب أن يقابله ما هو تذييل للمطالب ، وهو قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً). وهذا أقرب من بعض ما في «الكشاف» من وجوه المقابلة ومن بعض ما للآلوسي فانظرهما واحكم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩))
جاءت هذه الآية تشريعا لحكم المطلقات قبل البناء بهن أن لا تلزمهن عدّة بمناسبة حدوث طلاق زيد بن حارثة زوجه زينب بنت جحش لتكون الآية مخصصة لآيات العدة من سورة البقرة ، فإن الأحزاب نزلت بعد البقرة ، وليخصص بها أيضا آية العدّة في سورة الطلاق النازلة بعدها لئلّا يظنّ ظانّ أن العدة من آثار العقد على المرأة سواء دخل بها الزوج أم لم يدخل. قال ابن العربي : وأجمع علماء الأمة على أن لا عدّة على المرأة إذا لم يدخل بها زوجها لهذه الآية.
والنكاح : هو العقد بين الرجل والمرأة لتكون زوجا بواسطة وليها. وهو حقيقة في العقد لأن أصل النكاح حقيقة هو الضمّ والإلصاق فشبه عقد الزواج بالالتصاق والضم بما فيه من اعتبار انضمام الرجل والمرأة فصارا كشيئين متّصلين. وهذا كما سمي كلاهما زوجا ، ولا يعرف في كلام العرب إطلاق النكاح على غير معنى العقد دون معنى الوطء ولذلك يقولون : نكحت المرأة فلانا ، أي تزوجته ، كما يقولون : نكح فلان امرأة. وزعم كثير من مدوّني اللغة أن النكاح حقيقة في إدخال شيء في آخر. فأخذوا منه أنه حقيقة في الوطء ، ودرج على ذلك الأزهري والجوهري والزمخشري ، وهو بعيد ، وعلى ما بنوه أخطأ المتنبي في استعماله إذ قال :
أنكحت صم حصاها خفّ يعملة |
|
تغشمرت بي إليك السهل والجبلا |
ولا حجة في كلامه ، ولذلك تأوله أبو العلاء المعرّي في معجز أحمد بأنه أراد جمعت بين صم الحصى وخف اليعملة.