لما في إظهار لفظ النبي من التفخيم والتكريم.
وفائدة الاحتراز بهذا الشرط الثاني إبطال عادة العرب في الجاهلية وهي أنهم كانوا إذا وهبت المرأة نفسها للرجل تعين عليه نكاحها ولم يجز له ردّها ، فأبطل الله هذا الالتزام بتخيير النبي عليه الصلاة والسلام في قبول هبة المرأة نفسها له وعدمه ، وليرفع التعيير عن المرأة الواهبة بأن الرد مأذون به.
والسين والتاء في (يَسْتَنْكِحَها) ليستا للطلب بل هما لتأكيد الفعل كقول النابغة :
وهم قتلوا الطائي بالحجر عنوة |
|
أبا جابر فاستنكحوا أم جابر |
أي بنو حنّ قتلوا أبا جابر الطائي فصارت أم جابر المزوجة بأبي جابر زوجة بني حنّ ، أي زوجة رجل منهم. وهي مثل السين والتاء في قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) [آل عمران : ١٩٥].
فتبيّن من جعل جملة إن أراد النبي (أَنْ يَسْتَنْكِحَها) معترضة أن هذه الآية لا يصح التمثيل بها لمسألة اعتراض الشرط على الشرط كما وقع في رسالة الشيخ تقي الدين السبكي المجعولة لاعتراض الشرط على الشرط ، وتبعه السيوطي في الفن السابع من كتاب «الأشباه والنظائر النحوية» ، ويلوح من كلام صاحب «الكشاف» استشعار عدم صلاحية الآية لاعتبار الشرط في الشرط فأخذ يتكلف لتصوير ذلك.
وانتصب (خالِصَةً) على الحال من (امْرَأَةً) ، أي خالصة لك تلك المرأة ، أي هذا الصنف من النساء ، والخلوص معنيّ به عدم المشاركة ، أي مشاركة بقية الأمة في هذا الحكم إذ مادة الخلوص تجمع معاني التجرّد عن المخالطة. فقوله : (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لبيان حال من ضمير الخطاب في قوله : (لَكَ) ما في الخلوص من الإجمال في نسبته. وقد دل وصف (امْرَأَةً) بأنها (مُؤْمِنَةً) أن المرأة غير المؤمنة لا تحل للنبي عليه الصلاة والسلام بهبة نفسها. ودل ذلك بدلالة لحن الخطاب أنه لا يحلّ للنبي صلىاللهعليهوسلم تزوج الكتابيات بله المشركات ، وحكى إمام الحرمين في ذلك خلافا. قال ابن العربي : والصحيح عندي تحريمها عليه. وبهذا يتميز علينا ؛ فإن ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر وإذا كان لا تحل له من لم تهاجر لنقصانها فضل الهجرة فأحرى أن لا تحلّ له الكتابية الحرة.
(قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).