فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٢٠٣] ، وعليه فجملة (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) خبر المبتدأ اقترن بالفاء لمعاملة الموصول معاملة الشرط ومفعول (عَزَلْتَ) محذوف عائد إلى (مَنْ) أي التي ابتغيتها ممن عزلتهن وهو من حذف العائد المنصوب.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً).
الإشارة إلى شيء مما تقدم وهو أقربه ، فيجوز أن تكون الإشارة إلى معنى التفويض المستفاد من قوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الابتغاء المتضمن له فعل (ابْتَغَيْتَ) أي فلا جناح عليك في ابتغائهن بعد عزلهن ذلك أدنى لأن تقرّ أعينهنّ. والابتغاء : الرغبة والطلب ، والمراد هنا ابتغاء معاشرة من عزلهن.
فعلى الأول يكون المعنى أن في هذا التفويض جعل الحق في اختيار أحد الأمرين بيد النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يبق حقا لهن فإذا عين لإحداهن حالة من الحالين رضيته به لأنه يجعل الله تعالى على حكم قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) أن تكون (لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب : ٣٦] فقرت أعين جميعهن بما عينت لكل واحدة لأن الذي يعلم أنه لا حق له في شيء كان راضيا بما أوتي منه ، وإن علم أنّ له حقا حسب أن ما يؤتاه أقل من حقه وبالغ في استيفائه. وهذا التفسير مروي عن قتادة وتبعه الزمخشري وابن العربي والقرطبي وابن عطية ، وهذا يلائم قوله : (وَيَرْضَيْنَ) ولا يلائم قوله : (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ) لأن قرة العين إنما تكون بالأمر المحبوب ، وقوله : (وَلا يَحْزَنَ) لأن الحزن من الأمر المكدّر ليس باختياري كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فلا تلمني فيما لا أملك».
وعلى الوجه الثاني يكون المعنى : ذلك الابتغاء بعد العزل أقرب لأن تقرّ أعين اللاتي كنت عزلتهن. ففي هذا الوجه ترغيب للنبي صلىاللهعليهوسلم في اختيار عدم عزلهن عن القسم وهو المناسب لقوله : (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَ) كما علمت آنفا ، ولقوله : «ويرضين كلّهن» ، ولما فيما ذكر من الحسنات الوافرة التي يرغب النبي صلىاللهعليهوسلم في تحصيلها لا محالة وهي إدخال المسرّة على المسلم وحصول الرضى بين المسلمين وهو مما يعزّز الأخوة الإسلامية المرغب فيها. ونقل قريب من هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد واختاره أبو علي الجبّائي وهو الأرجح لأن قرة العين لا تحصل على مضض ولأن الحط في الحق يوجب الكدر. ويؤيده أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يأخذ إلا به ولم يحفظ عنه أنه آثر إحدى أزواجه