تعالى وقد أجرى الله عليه صفات من صفاته مثل رءوف رحيم ومثل شاهد. وقالت عائشة رضياللهعنها : ما خيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. ولهذا لم يأخذ رسول الله بهذا التخيير في النساء اللاتي كنّ في معاشرته ، وأخذ به في الواهبات أنفسهن مع الإحسان إليهن بالقول والبذل فإن الله كتب الإحسان على كل شيء. وأخذ به في ترك التزوج من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته لأن ذلك لا حرج فيه عليهن.
(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢))
موقع هذه الآية في المصحف عقب التي قبلها يدل على أنها كذلك نزلت وأن الكلام متصل بعضه ببعض ومنتظم هذا النظم البديع ، على أن حذف ما أضيفت إليه (بَعْدُ) ينادي على أنه حذف معلوم دل عليه الكلام السابق فتأخّرها في النزول عن الآيات التي قبلها وكونها متصلة بها وتتمة لها مما لا ينبغي أن يتردد فيه ، فتقدير المضاف إليه المحذوف لا يخلو : إمّا أن يؤخذ من ذكر الأصناف قبله ، أي من بعد الأصناف المذكورة بقوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) [الأحزاب : ٥٠] إلخ. وإمّا أن يكون مما يقتضيه الكلام من الزمان ، أي من بعد هذا الوقت ، والأول الراجح.
و (بَعْدُ) يجوز أن يكون بمعنى (غير) كقوله تعالى : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية : ٢٣] وهو استعمال كثير في اللغة ، وعليه فلا ناسخ لهذه الآية من القرآن ولا هي ناسخة لغيرها ، ومما يؤيد هذا المعنى التعبير بلفظ الأزواج في قوله : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) أي غيرهن ، وعلى هذا المحمل حمل الآية ابن عباس فقد روى الترمذي عنه قال: «نهي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات» فقال : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فأحل الله المملوكات المؤمنات (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) للنبي [الأحزاب : ٥٠]. ومثل هذا مروي عن أبيّ بن كعب وعكرمة والضحاك. ويجوز أن يكون (بَعْدُ) مرادا به الشيء المتأخر عن غيره وذلك حقيقة معنى البعدية فيتعين تقدير لفظ يدل على شيء سابق.
وبناء (بَعْدُ) على الضم يقتضي تقدير مضاف إليه محذوف يدل عليه الكلام السابق