وفي هذا إيذان بأن الله لما أباح لرسوله الأصناف الثلاثة أراد اللطف له وأن لا يناكد رغبته إذا أعجبته امرأة لكنه حدّد له أصنافا معينة وفيهن غناء.
وقد عبرت عن هذا المعنى عائشة رضياللهعنها بعبارة شيقة ، إذ قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك. وأكدت هذه المبالغة بالتذييل من قوله : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) أي عالما بجري كل شيء على نحو ما حدّده أو على خلافه ، فهو يجازي على حسب ذلك. وهذا وعد للنبي صلىاللهعليهوسلم بثواب عظيم على ما حدد له من هذا الحكم.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) منقطع. والمعنى : لكن ما ملكت يمينك حلال في كل حال. والمقصود من هذا الاستدراك دفع توهم أن يكون المراد من لفظ (النِّساءُ) في قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ) ما يرادف لفظ الإناث دون استعماله العرفي بمعنى الأزواج كما تقدم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ).
لما بين الله في الآيات السابقة آداب النبي صلىاللهعليهوسلم مع أزواجه قفّاه في هذه الآية بآداب الأمة معهن ، وصدره بالإشارة إلى قصة هي سبب نزول هذه الآية. وهي ما في «صحيح البخاري» وغيره عن أنس بن مالك قال : لما تزوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب ابنة جحش صنع طعاما بخبز ولحم ودعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيّأ للقيام فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر ، فجاء النبي ليدخل فإذا القوم جلوس ، فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يخرج ثم يرجع فانطلق إلى حجرة عائشة ... فتقرّى حجر