إخبارها بذلك. ولعلها لم تجد من يسأل لها أو لم تر لزاما أن تستنيب عنها من يسأل لها عن حكم يخص ذاتها. وقد رأى علي بن أبي طالب الجمع بين طلب الحق وبين الاستحياء ، ففي «الموطأ» عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ما ذا عليه؟ قال علي : فإن عندي ابنة رسول الله وأنا أستحيي أن أسأله» الحديث.
على أن بين قضية أم سليم وقضية علي تفاوتا من جهات في مقتضى الاستحياء لا تخفى على المتبصر.
واعلم أن في ورود (يُؤْذِي) هنا ما يبطل المثال الذي أورده ابن الأثير في كتاب «المثل السائر» شاهدا على أن الكلمة قد تروق السامع في كلام ثم تكون هي بعينها مكروهة للسامع. وجاء بكلمة (يُؤْذِي) في هذه الآية ، ونظيرها (تؤذي) في قول المتنبي:
تلذ له المروءة وهي تؤذي
وزعم أن وجودها في البيت يحط من قدر المعنى الشريف الذي تضمنه البيت وأحال في الجزم بذلك على الطبع السليم ، ولا أحسب هذا الحكم إلا غضبا من ابن الأثير لا تسوّغه صناعة ولا يشهد به ذوق ، ولقد صرف أئمة الأدب همهم إلى بحث شعر المتنبي ونقده فلم يعدّ عليه أحد منهم هذا منتقدا ، مع اعتراف ابن الأثير بأن معنى البيت شريف فلم يبق له إلا أن يزعم أن كراهة هذا اللفظ فيه راجعة إلى أمر لفظي من الفصاحة ، وليس في البيت شيء من الإخلال بالفصاحة وكأنه أراد أن يقفي على قدم الشيخ عبد القاهر فيما ذكر في الفصل الذي جعله ثانيا من كتاب «دلائل الإعجاز» فإن ما انتقده الشيخ في ذلك الفصل من مواقع بعض الكلمات لا يخلو من رجوع نقده إياها إلى أصول الفصاحة أو أصول تناسب معاني الكلمات بعضها مع بعض في نظم الكلام ، وشتان ما بين الصنيعين.
(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ).
عطف على جملة (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ) النبي فهي زيادة بيان للنهي عن دخول البيوت النبوية وتحديد لمقدار الضرورة التي تدعو إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها.
وهذه الآية هي شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين ، وقد قيل : إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمس.
وضمير (سَأَلْتُمُوهُنَ) عائد إلى الأزواج المفهوم من ذكر البيوت في قوله : بيوت