وأيضا فإن للناس أوهاما وظنونا سوأى تتفاوت مراتب نفوس الناس فيها صرامة ووهنا ، ونفاقا وضعفا ، كما وقع في قضية الإفك المتقدمة في سورة النور فكان شرع حجاب أمهات المؤمنين قاطعا لكل تقول وإرجاف بعمد أو بغير عمد.
ووراء هذه الحكم كلها حكمة أخرى سامية وهي زيادة تقرير معنى أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أمومة جعلية شرعية بحيث إن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن أمهات يرتد وينعكس إلى باطن النفس وتنقطع عنه الصور الذاتية وهي كونهن فلانة أو فلانة فيصبحن غير متصوّرات إلا بعنوان الأمومة فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمى في النفوس ، ولا تزال الصور الحسية تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريبا في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة ، وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنه الناس لملوكهم في القدم ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية.
وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله : يا نساء النبي (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب : ٣٢] تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين ، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن ، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعا وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات ، ولما أنشد النميري عند الحجاج قوله :
يخمرن أطراف البنان من التقى |
|
ويخرجن جنح الليل معتجرات |
قال الحجاج : وهكذا المرأة الحرة المسلمة.
ودل قوله : (لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أن الأمر متوجه لرجال الأمة ولنساء النبيصلىاللهعليهوسلم على السواء. وقد ألحق بأزواج النبي عليهالسلام بنته فاطمة فلذلك لما خرجوا بجنازتها جعلوا عليها قبة حتى دفنت ، وكذلك جعلت قبة على زينب بنت جحش في خلافة عمر بن الخطاب.
(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً).
لما جيء في بيان النهي عن المكث في بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه يؤذيه أتبع بالنهي عن أذى النبي صلىاللهعليهوسلم نهيا عاما ، فالخطاب في (لَكُمْ) للمؤمنين المفتتح بخطابهم آية : (يا أَيُّهَا