وأن ما يسبق البناء مما يسمونه تزويجا فإنما هو مراكنة ووعد ، ويدل لذلك ما في الصحيح أن رسول الله لما أحضرت إليه الكندية ودخل عليها رسول الله فقال لها : هبي لي نفسك (أي ليعلم أنها رضيت بما عقد لها وليها) فقالت : ما كان لملكة أن تهب نفسها لسوقة أعوذ بالله منك. فقال لها : لقد استعذت بمعاذ. فذلك ليس بطلاق ولكنه رجوع عن التزوج بها دال على أن العقد لم يقع وأن قول عمر لأبي بكر أو قول من قال لعمر : إن رسول الله لم يدخل بها هو كناية عن العقد.
وعن الشافعي تحريم تزوج من عقد عليها النبي صلىاللهعليهوسلم. ورجع إمام الحرمين والرافعي أن التحريم قاصر على التي دخل بها. على أنه يظهر أن الإضافة في قوله : (أَزْواجَهُ) بمعنى لام العهد ، أي الأزواج اللائي جاءت في شأنهن هذه الآيات من قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [الأحزاب : ٥٢] فهن اللاء ثبت لهن حكم الأمهات.
وبعد فإن البحث في هذه المسألة مجرد تفقه لا يبنى عليه عمل.
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤))
كلام جامع تحريضا وتحذيرا ومنبئ عن وعد ووعيد ، فإن ما قبله قد حوى أمرا ونهيا ، وإذ كان الامتثال متفاوتا في الظاهر والباطن وبخاصة في النوايا والمضمرات كان المقام مناسبا لتنبيههم وتذكيرهم بأن الله مطلع على كل حال من أحوالهم في ذلك وعلى كل شيء ، فالمراد من (شَيْئاً) الأول شيء مما يبدونه أو يخفونه وهو يعم كل ما يبدو وما يخفى لأن النكرة في سياق الشرط تعم. والجملة تذييل لما اشتملت عليه من العموم في قوله : (بِكُلِّ شَيْءٍ). وإظهار لفظ (شَيْءٍ) هنا دون إضمار لأن الإضمار لا يستقيم لأن الشيء المذكور ثانيا هو غير المذكور أولا ، إذ المراد بالثاني جميع الموجودات ، والمراد بالأول خصوص أحوال الناس الظاهرة والباطنة ، فالله عليم بكل كائن ومن جملة ذلك ما يبدونه ويخفونه من أحوالهم.
(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥))
تخصيص من عموم الأمر بالحجاب الذي اقتضاه قوله : (فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ