ليعرف أنهن حرائر فلا يتعرض إليهن شباب الدّعّار يحسبهن إماء أو يتعرض إليهن المنافقون استخفافا بهن بالأقوال التي تخجلهن فيتأذين من ذلك وربما يسببن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين. فهذا من سدّ الذريعة.
والإشارة ب (ذلِكَ) إلى الإدناء المفهوم من (يُدْنِينَ) ، أي ذلك اللباس أقرب إلى أن يعرف أنهن حرائر بشعار الحرائر فيتجنب الرجال إيذاءهن فيسلموا وتسلمن. وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الإماء من التقنع كيلا يلتبسن بالحرائر ويضرب من تتقنّع منهن بالدّرة ثم زال ذلك بعده ، فذلك قول كثير :
هنّ الحرائر لا ربات أخمرة |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسور |
والتذييل بقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) صفح عما سبق من أذى الحرائر قبل تنبيه الناس إلى هذا الأدب الإسلامي ، والتذييل يقتضي انتهاء الغرض.
[٦٠ ، ٦١] (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١))
انتقال من زجر قوم عرفوا بأذى الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين والمؤمنات ، ومن توعدهم بغضب الله عليهم في الدنيا والآخرة إلى تهديدهم بعقاب في الدنيا يشرعه الله لهم إن هم لم يقلعوا عن ذلك للعلم بأن لا ينفع في أولئك وعيد الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالبعث ، وأولئك هم المنافقون الذين ابتدئ التعريض بهم من قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) إلى قوله تعالى : (عَظِيماً) [الأحزاب : ٥٣] ، ثم من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) إلى قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب : ٥٧ ـ ٥٩].
وصرح هنا بما كني عنه في الآيات السالفة إذ عبر عنهم بالمنافقين فعلم أن الذين يؤذون الله ورسوله هم المنافقون ومن لفّ لفّهم.
و (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قد ذكرناهم في أول السورة وهم المنطوون على النفاق أو التردد في الإيمان.
و (الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) : هم المنافقون ، فالأوصاف الثلاثة لشيء واحد ، قاله أبو رزين.