المحققين مثل أبي عبيدة والزجاج وابن عطية أن (قَرِيباً) في مثل هذه الآية ليس خبرا عن فعل الكون ولكنه ظرف له وهم يعنون أن فعل الكون تام وأن (قَرِيباً) ظرف زمان لوقوعه. والتقدير : تقع في زمان قريب ، فيلزم لفظ (قريب) الإفراد والتذكير على نية زمان أو وقت ، وقد يكون ظرف مكان كما ورد في ضده وهو لفظ (بعيد) في قوله :
وإن تمس ابنة السهمي منا |
|
بعيدا لا تكلمنا كلاما |
وقد أشار إلى جواز الوجهين في «الكشاف». وهذان الوجهان وإن تأتّيا هنا لا يتأتيان في نحو قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].
ويقترن (قريب) و (بعيد) بعلامة التأنيث ونحوها من العلامات الفرعية عند إرادة التوصيف. وكل هذه اعتبارات من توسعهم في الكلام. وتقدم قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في الأعراف فضمّه إلى ما هنا.
[٦٤ ، ٦٥] (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥))
هذا حظ الكافرين من وعيد الساعة ، وهذه لعنة الآخرة قفّيت بها لعنة الدنيا في قوله: (مَلْعُونِينَ) [الأحزاب : ٦١] ، ولذلك عطف عليها (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) فكانت لعنة الدنيا مقترنة بالأخذ والتقتيل ولعنة الآخرة مقترنة بالسعير.
والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن جملة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) إلى قوله: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٠ ـ ٦٢] تثير في نفوس السامعين التساؤل عن الاقتصار على لعنهم وتقتيلهم في الدنيا ، وهل ذلك منتهى ما عوقبوا به أو لهم من ورائه عذاب؟ فكان قوله : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ) إلخ جوابا عن ذلك.
وحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو منظور به إلى السامعين من الكافرين.
والتعريف في (الْكافِرِينَ) يحتمل أن يكون للعهد ، أي الكافرين الذين كانوا شاقوا الرسول صلىاللهعليهوسلم وآذوه وأرجفوا في المدينة وهم المنافقون ومن ناصرهم من المشركين في وقعة الأحزاب ومن اليهود. ويحتمل أن يكون التعريف للاستغراق ، أي كل كافر.
وعلى الوجهين فصيغة الماضي في فعل (لَعَنَ) مستعملة في تحقيق الوقوع ، شبه المحقق حصوله بالفعل الذي حصل فاستعير له صيغة الماضي مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ)