والقول في ألف (السَّبِيلَا) كالقول في ألف (الرَّسُولَا) [الأحزاب : ٦٦].
وإعادة النداء في قولهم : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) تأكيد للضراعة والابتهال وتمهيد لقبول سؤلهم حتى إذا قبل سؤلهم طمعوا في التخلص من العذاب الذي ألقوه على كاهل كبرائهم.
والضعف بكسر الضاد : العدد المماثل للمعدود ، فالأربعة ضعف الاثنين. ولما كان العذاب معنى من المعاني لا ذاتا كان معنى تكرير العدد فيه مجازا في القوة والشدة.
وتثنية (ضِعْفَيْنِ) مستعملة في مطلق التكرير كناية عن شدة العذاب كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٤] فإن البصر لا يخسأ في نظرتين ، ولذلك كان قوله هنا : (آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) مساويا لقوله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) في سورة الأعراف [٣٨]. وهذا تعريض بإلقاء تبعة الضلال عليهم ، وأن العذاب الذي أعدّ لهم يسلط على أولئك الذين أضلّوهم.
ووصف اللعن بالكثرة كما وصف العذاب بالضعفين إشارة إلى أن الكبراء استحقوا عذابا لكفرهم وعذابا لتسببهم في كفر أتباعهم.
فالمراد بالكثير الشديد القوي ، فعبر عنه بالكثير لمشاكلة معنى التثنية في قوله : (ضِعْفَيْنِ) المراد به الكثرة.
وقد ذكر في الأعراف جوابهم من قبل الجلالة بقوله : (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ) [الأعراف : ٣٨] يعني أن الكبراء استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم وإضلالهم وأن أتباعهم أيضا استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم ولتسويد سادتهم وطاعتهم العمياء إياهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩))
لما تقضى وعيد الذين يؤذون الرسول عليه الصلاة والسلام بالتكذيب ونحوه من الأذى المنبعث عن كفرهم من المشركين والمنافقين من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] حذر المؤمنين مما يؤذي الرسولصلىاللهعليهوسلم بتنزيههم عن أن يكونوا مثل قوم نسبوا إلى رسولهم ما هو أذى له وهم لا يعبئون بما في ذلك من إغضابه الذي فيه غضب الله تعالى. ولما كان كثير من الأذى قد يحصل عن غفلة