الذي قبله بتقدير : وابتغاؤكم من فضله فيهما ، وقد تكلف صاحب «الكشاف» فجعل الكلام من قبيل اللف والنشر ؛ على أن اللف وقع فيه تفريق ، ووجّهه محشّيه القزويني بأن التقديم للاهتمام بآية الليل والنهار.
وقد جعلت دلالات المنام والابتغاء من فضل الله (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) لوجهين : أحدهما : أن هذين حالتان متعاورتان على الناس قد اعتادوهما فقلّ من يتدبر في دلالتهما على دقيق صنع الله تعالى ؛ فمعظم الناس في حاجة إلى من يوقفهم على هذه الدلالة ويرشدهم إليها. وثانيهما : أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحب النوم من أحوال نومه ، لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له وإلا أنه حين يهبّ من نومه يعلم أنه كان نائما ؛ فأما حالة النائم في حين نومه ومقدار تنبهه لمن يوقظه ، وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه ، والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه ، كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظا في وقت نومه. فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع ، وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد ، فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم ، فلذلك قيل (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ). وأيضا لأن النوم يحول دون الشعور بالمسموعات بادئ ذي بدء قبل أن يحول دون الشعور بالمبصرات.
وأجريت صفة (يَسْمَعُونَ) على قوم للإيماء إلى أن السمع متمكّن منهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤]. ووجه جعل ذلك آيات لما ينطوي عليه من تعدد الدلالات بتعدد المستدلين وتولد دقائق تلك الآية بعضها عن بعض كما تقدم آنفا.
ومعنى اللام في قوله (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) كما تقدم في معناه عند قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم : ٢١].
(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤))
تلك آية خامسة وهي متعلقة بالإنسان وليست متصلة به ، فإن البرق آية من آيات صنع الله وهو من خلق القوى الكهربائية النورانية في الأسحبة وجعلها آثارا مشاهدة ، وكم من قوى أمثالها منبثة في العوالم العلوية لا تشاهد آثارها. ومن الحكم الإلهية في كون البرق