تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) [الروم : ٢٥]. ويجوز أن تكون جملة (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) تكملة لجملة (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم : ٢٥] على معنى : وله يومئذ من في السموات والأرض كل له قانتون ، فالقنوت بمعنى الامتثال الواقع في ذلك اليوم وهو امتثال الخضوع لأن امتثال التكليف قد انقضى بانقضاء الدنيا ، أي لا يسعهم إلا الخضوع فيها يأمر الله به من شأنهم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤] ، فتكون الجملة معطوفة على جملة (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم : ٢٥]. والقنوت تقدم في قوله (قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) في سورة النحل [١٢٠].
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧))
تقدم نظير صدر هذه الآية في هذه السورة وأعيد هنا ليبنى عليه قوله (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) تكملة للدليل إذ لم تذكر هذه التكملة هناك. فهذا ابتداء بتوجيه الكلام إلى المشركين لرجوعه إلى نظيره المسوق إليهم. وهذا أشبه بالتسليم الجدلي في المناظرة ، ذلك لأنهم لما اعترفوا بأن الله هو بادئ خلق الإنسان ، وأنكروا إعادته بعد الموت ، واستدل عليهم هنالك بقياس المساواة ، ولما كان إنكارهم الإعادة بعد الموت متضمنا تحديد مفعول القدرة الإلهية جاء التنازل في الاستدلال إلى أن تحديد مفعول القدرة لو سلم لهم لكان يقتضي إمكان البعث بقياس الأحرى فإن إعادة المصنوع مرة ثانية أهون على الصانع من صنعته الأولى وأدخل تحت تأثير قدرته فيما تعارفه الناس في مقدوراتهم. فقوله (أَهْوَنُ) اسم تفضيل ، وموقعه موقع الكلام الموجّه ، فظاهره أن (أَهْوَنُ) مستعمل في معنى المفاضلة على طريقة إرخاء العنان والتسليم الجدلي ، أي الخلق الثاني أسهل من الخلق الأول ، وهذا في معنى قوله تعالى (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥]. ومراده : أن إعادة الخلق مرة ثانية مساوية لبدء الخلق في تعلق القدرة الإلهية ، فتحمل صيغة التفضيل على معنى قوة الفعل المصوغة له كقوله (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣]. وللإشارة إلى أن قوله (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) مجرد تقريب لأفهامهم عقب بقوله (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي ثبت له واستحق الشأن الأتم الذي لا يقاس بشئون الناس المتعارفة وإنما لقصد التقريب لأفهامكم.