بضربه جعله ضربا ، أي مثلا ونظيرا ، وعليه فانتصاب (مَثَلاً) على المفعولية المطلقة لأن (مَثَلاً) حينئذ يرادف ضربا مصدر ضرب بهذا المعنى. وقد تقدم عند قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في سورة البقرة [٢٦]. واللام في (لَكُمْ) لام التعليل ، أي ضرب مثلا لأجلكم ، أي لأجل إفهامكم.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ابتدائية متعلقة ب (ضَرَبَ) أي جعل لكم مثلا منتزعا من أنفسكم. والأنفس هنا جنس الناس كقوله (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] أي مثلا من أحوال جماعتكم إذ لا تخلو الجماعة عن ناس لهم عبيد وهم يعرفون أحوال العبيد مع سادتهم سواء منهم من يملك عبيدا ومن لا عبيد له. فالخطاب لجميع الأمة باعتبار وجود فريق فيهم ينطبق عليهم هذا المثل. والاستفهام مستعمل في الإنكار ومناط الإنكار قوله (فِي ما رَزَقْناكُمْ) إلى آخره ، أي من شركاء لهم هذا الشأن.
و (مِنْ) في قوله (مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) تبعيضية ، و (مِنْ) في قوله (مِنْ شُرَكاءَ) زائدة مؤكدة لمعنى النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري. فالجمع بين هذه الحروف في كلام واحد من قبيل الجناس التام.
والشركاء : جمع شريك ، وهو المشارك في المال لقوله (فِي ما رَزَقْناكُمْ) ، والفاء للتفريع على الشركة ، أي فتكونوا متساوين فيما أنتم فيه شركاء.
وجملة (تَخافُونَهُمْ) في موضع الحال من ضمير الفاعل في (سَواءٌ). والخوف : انفعال نفساني ينشأ من توقع إصابة مكروه يبقى ، وهو هنا التوقي من التفريط في حظوظهم من الأرزاق وليس هو الرعب بقرينة قوله (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، أي كما تتوقون أنفسكم من إضاعة حقوقكم عندهم.
والأنفس الثاني بمعنى : أنفس الذين لهم شركاء مما ملكت أيمانهم من المخاطبين لأنهم بعض المخاطبين.
وهذا المثل تشبيه هيئة مركبة بهيئة مركبة ؛ شبهت الهيئة المنتزعة من زعم المشركين أن الأصنام شركاء لله في التصرف ودافعون عن أوليائهم ما يريده الله من تسلط عقاب أو نحوه إذ زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وهم مع ذلك يعترفون بأنها مخلوقة لله فإنهم يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك. هذه الهيئة شبهت بهيئة ناس لهم عبيد صاروا شركاء في أرزاق سادتهم شركة على السواء فصار سادتهم يحذرون إذا أرادوا أن