بعد الفاء فالمراد بالدين دين الإسلام. ومعنى مفارقتهم إياه ابتعادهم منه ، فاستعيرت المفارقة للنبذ إذ كان الإسلام هو الدين الذي فطر الله عليه الناس فلما لم يتبعوه جعل إعراضهم عنه كالمفارقة لشيء كان مجتمعا معه ، وليس المراد الارتداد عن الإسلام.
والشيع : جمع شيعة وهي الجماعة التي تشايع ، أي توافق رأيا ، وتقدم قوله تعالى (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) في سورة مريم [٦٩].
والحزب : الجماعة الذين رأيهم ونزعتهم واحدة. و (بِما لَدَيْهِمْ) هو ما اتفقوا عليه. والفرح : الرضا والابتهاج. وهذه حالة ذميمة من أحوال أهل الشرك يراد تحذير المسلمين من الوقوع في مثلها ، فإذا اختلفوا في أمور الدين الاختلاف الذي يقتضيه اختلاف الاجتهاد أو اختلفوا في الآراء والسياسات لاختلاف العوائد فليحذروا أن يجرهم ذلك الاختلاف إلى أن يكونوا شيعا متعادين متفرقين يلعن بعضهم بعضا ويذيق بعضهم بأس بعض. وتقدم (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) في سورة المؤمنين [٥٣].
[٣٣ ـ ٣٤] (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤))
عطف على جملة (فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [الروم : ٣٢] أي فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، وإذا مسهم ضر فدعوا الله وحده فرحمهم عادوا إلى شركهم وكفرهم نعمة الذي رحمهم. فالمقصود من الجملة هو قوله : (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) ، فمحل انتظامه في مذام المشركين أنهم يرجعون إلى الكفر ، بخلاف حال المؤمنين فإنهم إذا أذاقهم الله رحمة بعد ضر شكروا نعمة ربهم وذلك من إنابتهم إلى الله. ونسج الكلام على هذا الأسلوب ليكون بمنزلة التذييل بما في لفظ (النَّاسَ) من العموم وإدماجا لفضيلة المؤمنين الذين لا يكفرون نعمة الرحيم. فالتعريف في (النَّاسَ) للاستغراق.
والضرّ ، بضم الضاد : سوء الحال في البدن أو العيش أو المال ، وهذا نحو ما أصاب قريشا من الشدة والقحط حتى كانوا يرون في الجو مثل الدخان من شدة الجفاف ، وحتى أكلوا العظام والميتة ، وقد أصاب ذلك مشركيهم ومؤمنيهم وكانت شدته على المشركين لأنهم كانوا في رفاهية ، فالشدة أقوى عليهم ، فأرسلوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يستشفعون به أن يدعو الله بكشف الضر عنهم فدعا فأمطروا فعادوا إلى ترفهم ، قال تعالى : (فَارْتَقِبْ