والإيتاء : إعطاء النافع ، أي بما أنعمنا عليهم من النعم التي هي نعمة الإيجاد والرزق وكشف الضر عنهم. ثم التفت عن الغيبة إلى الخطاب بقوله (فَتَمَتَّعُوا) توبيخا لهم وإنذارا ، وجيء بفاء التفريع في قوله (فَتَمَتَّعُوا) لأن الإنذار والتوبيخ مفرعان عن الكلام السابق. والأمر في (تمتعوا) مستعمل في التهديد والتوبيخ. والتمتع : الانتفاع بالملائم وبالنعمة مدة تنقضي.
والفاء في (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تفريع للإنذار على التوبيخ ، وهو رشيق. و (سوف تعلمون) إنذار بأنهم يعلمون في المستقبل شيئا عظيما ، والعلم كناية عن حصول الأمر الذي يعلم ، أي عن حلول مصائب بهم لا يعلمون كنهها الآن ، وهو إيماء إلى عظمتها وأنها غير مترقبة لهم. وهذا إشارة إلى ما سيصابون به يوم بدر من الاستئصال والخزي وهم كانوا يستعجلون بعذاب من جنس ما عذب به الأمم الماضية مثل عاد وثمود ، وكانت الغاية واحدة ، فإن إصابتهم بعذاب سيوف المسلمين أبلغ في كون استئصالهم بأيدي المؤمنين مباشرة ، وأظهر في إنجاء المؤمنين من عذاب لا يصيب الذين ظلموا خاصة وذلك هو المراد في قوله تعالى (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ* يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٥ ، ١٦]. والبطشة الكبرى : بطشة يوم بدر.
(أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥))
(أَمْ) منقطعة ، فهي مثل (بل) للإضراب هو إضراب انتقالي. وإذ كان حرف (أَمْ) حرف عطف فيجوز أن يكون ما بعدها إضرابا عن الكلام السابق فهو عطف قصة على قصة بمنزلة ابتداء ، والكلام توبيخ ولوم متصل بالتوبيخ الذي أفاده قوله (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الروم : ٣٤]. وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عن مخاطبتكم إلى مخاطبة المسلمين تعجيبا من حال أهل الشرك. ويجوز أن يكون ما بعدها متصلا بقوله (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الروم : ٢٩] فهو عطف ذم على ذم وما بينهما اعتراض.
وحيثما وقعت (أَمْ) فالاستفهام مقدّر بعدها لأنها ملازمة لمعنى الاستفهام. فالتقدير : بل أأنزلنا عليهم سلطانا وهو استفهام إنكاري ، أي ما أنزلنا عليهم سلطانا ، ومعنى الاستفهام الإنكاري أنه تقرير على الإنكار كأن السائل يسأل المسئول ليقر بنفي المسئول عنه.