قبلها على لحاق آثار رحمة الله بالناس ، وإصابة السوء إياهم ، وعلى أن ما يصيبهم من السوء بما قدمت أيدي الناس ، وذكر بسط الرزق وتقديره. وتضمن ذلك أن الفرح يلهيهم عن الشكر ، وأن القنوط يلهيهم عن المحاسبة في الأسباب ، فكان الأمر بإيتاء الضعفاء والمنكوبين إرشادا إلى وسائل شكر النعمة عند حصولها شكرا من نوعها واستكشاف الضر عند نزوله ، وإلى أن من الحق التوسعة على المضيّق عليهم الرزق ، كما يحب أن يوسع عليه رزقه ؛ فالخطاب بالأمر للنبي صلىاللهعليهوسلم باعتبار من معه من المؤمنين ممن يحق عليه الإيتاء وهو الذي بسط له في الرزق ، أي فآتوا ذا القربى حقه بقرينة قوله (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) [الروم : ٣٨] الآية ، ويجوز أن يكون خطابا لغير معيّن من المؤمنين.
والإيتاء : الإعطاء. وهو مشعر بأن المعطى مال ، ويقوي ذلك وقوع الآية عقب قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) [الروم : ٣٧]. وصيغة الأمر من قوله (فَآتِ) مجمل. والأصل في محملها الوجوب مع أن المأمور بإيتائه عبر عنه بأنه حق والأصل في الحق الوجوب. وظاهر الآية يقتضي أن المراد حق في مال المؤتي.
وعن مجاهد وقتادة : صلة الرحم ـ أي بالمال ـ فرض من الله عزوجل لا تقبل صدقة أحد ورحمه محتاجة. وقال الحسن : حق ذي القربى المواساة في اليسر ، وقول ميسور في العسر. وقال ابن عطية : معظم ما قصد أمر المعونة بالمال ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «في المال حق سوى الزكاة» ، وللمساكين وابن السبيل حق ، وبيّن أن حق هذين في المال ا ه. أقول ولذلك قال جمع كثير : إن هذه الآية منسوخة بآية المواريث ، وقال فريق : لم تنسخ بل للقريب حق في البر على كل حال ، أي لا نسخ في جميع ما تضمنته بل نسخ بعضه بآية المواريث وبقي ما عداه. قلت : وما بقي غير منسوخ مختلفة أحكامه ، وهو مجمل تبينه أدلة أخرى متفرقة من الشريعة.
و (الْقُرْبى) : قرب النسب والرحم. وتقدم عند قوله (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) في سورة النساء [٣٦]. و (الْمِسْكِينَ) تقدم في قوله (لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) في سورة التوبة [٦٠]. و (ابْنَ السَّبِيلِ) : المسافر المجتاز بالقرية أو بالحي.
ووقع الحق مجملا والحوالة في بيانه على ما هو متعارف بين الناس وعلى ما يبينه النبيصلىاللهعليهوسلم. وكانت الصدقة قبل الهجرة واجبة على الجملة موكولة إلى حرص المؤمن. وقد أطلق عليها اسم الزكاة في آيات مكية كثيرة ، وقرنت بالصلاة ؛ فالمراد بها في تلك الآيات الصدقة الواجبة وكانت غير مضبوطة بنصب ثم ضبطت بأصناف ونصب ومقادير