وهي السورة الرابعة والثمانون في تعداد نزول السور ، نزلت بعد سورة الانشقاق وقبل سورة العنكبوت. وقد روي عن قتادة وغيره أن غلب الروم على الفرس كان في عام بيعة الرضوان ، ولذلك استفاضت الروايات وكان بعد قتل أبي بن خلف يوم أحد.
واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة. ومن قال : إن ذلك كان بعد تسع سنين بتقديم التاء المثناة فقد حمل على التصحيف كما رواه القرطبي عن القشيري يقتضي أن نزول سورة الروم كان في سنة إحدى قبل الهجرة لأن بيعة الرضوان كانت في سنة ست بعد الهجرة. وعن أبي سعيد الخدري أن انتصار الروم على فارس يوافق يومه يوم بدر.
وعدد آيها في عدّ أهل المدينة وأهل مكة تسع وخمسون. وفي عدد أهل الشام والبصرة والكوفة ستون. وسبب نزولها ما رواه الترمذي عن ابن عباس والواحدي وغير واحد : أنه لما تحارب الفرس والروم الحرب التي سنذكرها عند قوله تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) [الروم : ٢ ، ٣] وتغلب الفرس على الروم كان المشركون من أهل مكة فرحين بغلب الفرس على الروم لأن الفرس كانوا مشركين ولم يكونوا أهل كتاب فكان حالهم أقرب إلى حال قريش ولأن عرب الحجاز والعراق كانوا من أنصار الفرس وكان عرب الشام من أنصار الروم فأظهرت قريش التطاول على المسلمين بذلك فأنزل الله هذه السورة مقتا لهم وإبطالا لتطاولهم بأن الله سينصر الروم على الفرس بعد سنين. فلذلك لما نزلت الآيات الأولى من هذه السورة خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ١ ـ ٤] ، وراهن أبو بكر المشركين على ذلك كما سيأتي.
أغراض هذه السورة
أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سرّ المشركين من تغلب الفرس على الروم ، فقمع الله تعالى تطاول المشركين به وتحدّاهم بأن العاقبة للروم في الغلب على الفرس بعد سنين قليلة.
ثم تطرق من ذلك إلى تجهيل المشركين بأنهم لا تغوص أفهامهم في الاعتبار بالأحداث ولا في أسباب نهوض وانحدار الأمم من الجانب الرباني ، ومن ذلك إهمالهم النظر في الحياة الثانية ولم يتعظوا بهلاك الأمم السالفة المماثلة لهم في الإشراك بالله ، وانتقل من ذلك إلى ذكر البعث. واستدل لذلك ولوحدانيته تعالى بدلائل من آيات الله في