إيجابا فرارا من مذهب الاعتزال وهو غير لازم كما علمت. قال ابن عطية : وهو وقف ضعيف ، وكذلك قال الكواشي عن أبي حاتم.
[٤٨ ـ ٤٩] (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩))
جاءت هذه الجملة على أسلوب أمثالها كما تقدم في قوله (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم : ٢٧] ، وجاءت المناسبة هنا لذكر الاستدلال بإرسال الرياح في قوله (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦] استدلالا على التفرّد بالتصرف وتصوير الصنع الحكيم الدال على سعة العلم ، ثم أعقب بالاستدلال بإرسال الرياح توسلا إلى ذكر إحياء الأرض بعد موتها المستدلّ به على البعث ، فقد أفادت صيغة الحصر بقوله (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) أنه هو المتصرف في هذا الشأن العجيب دون غيره ، وكفى بهذا إبطالا لإلهية الأصنام ، لأنها لا تستطيع مثل هذا الصنع الذي هو أقرب التصرفات في شئون نفع البشر. والتعبير بصيغة المضارع في : (يُرْسِلُ) ، و (فَتُثِيرُ) ، و (فَيَبْسُطُهُ) ، و (يَجْعَلُهُ) لاستحضار الصور العجيبة في تلك التصرفات حتى كأنّ السامع يشاهد تكوينها مع الدلالة على تجدد ذلك.
وجمع (الرِّياحَ) لما شاع في استعمالهم من إطلاقها بصيغة الجمع على ريح البشارة بالمطر لأن الرياح التي تثير السحاب هي الرياح المختلفة جهات هبوبها بين : جنوب وشمال وصبا ودبور ، بخلاف اسم الريح المفردة فإنه غلب في الاستعمال إطلاقه على ريح القوة والشدة لأنها تتصل واردة من صوب واحد فلا تزال تشتد. وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا هبت الريح قال : «اللهم اجعلها رياحا لا ريحا» (١). وقد تقدم قوله تعالى (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) في سورة البقرة [١٦٤].
والإثارة : تحريك القارّ تحريكا يضطرب به عن موضعه. وإثارة السحاب إنشاؤه بما تحدثه الرياح في الأجواء من رطوبة تحصل من تفاعل الحرارة والبرودة.
والبسط : النشر. والسماء : الجو الأعلى وهو جو الأسحبة.
__________________
(١) عن البيهقي بسند ضعيف.