و (كَيْفَ) هنا مجردة عن معنى الاستفهام ، وموقعها المفعولية المطلقة من (فَيَبْسُطُهُ) لأنها نائبة عن المصدر ، أي : يبسطه بسطا كيفيته يشاؤها الله ، وقد تقدم في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) في سورة آل عمران [٦]. وتقدم أن من زعم أنها شرط لم يصادف الصواب.
و (كِسَفاً) بكسر ففتح في قراءة الجمهور جمع كسف بكسر فسكون ، ويقال : كسفة بهاء تأنيث وهو القطعة. وقد تقدم في قوله تعالى (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) في سورة الإسراء [٩٢]. وتقدم الكسف في قوله (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في سورة الشعراء [١٨٧]. والمعنى : أنه يبسط السحاب في السماء تارة ، أي يجعله ممتدا عاما في جو السماء وهو المدجن الذي يظلم به الجو ويقال المغلق ، ويجعله كسفا أي تارة أخرى كما دلت عليه المقابلة ، أي : يجعله غمامات لأن حالة جعله كسفا غير حالة بسطه في السماء ، فتعين أن يكون الجمع بينهما في الذكر مرادا منه اختلاف أحوال السحاب. والمقصود من هذا : أن اختلاف الحال آية على سعة القدرة.
والخطاب في (فَتَرَى الْوَدْقَ) خطاب لغير معيّن وهو كل من يتأتى منه سماع هذا وتتأتى منه رؤية الودق. والودق : المطر. وضمير (خِلالِهِ) للسحاب بحالتيه المذكورتين وهما حالة بسطه في السماء وحالة جعله كسفا فإن المطر ينزل من خلال السحاب المغلق والغمامات. والخلال : جمع خلل بفتحتين وهو الفرجة بين شيئين. وتقدم نظير هذه الجملة في سورة النور [٤٣].
وذكر اختلاف أحوال العباد في وقت نزول المطر وفي وقت انحباسه بين استبشار وإبلاس إدماج للتذكير برحمة الله إياهم وللاعتبار باختلاف تأثرات نفوسهم في السراء والضراء ، وفي ذلك إيماء إلى عظيم تصرف الله في خلقة الإنسان إذ جعله قابلا لاختلاف الانفعال مع اتحاد العقل والقلب كما جعل السحاب مختلف الانفعال من بسط وتقطع مع اتحاد الفعل وهو خروج الودق من خلاله.
و (إِنْ) في قوله (وَإِنْ كانُوا) مخفّفة مهملة عن العمل ، واللام في قوله (لَمُبْلِسِينَ) اللام الفارقة بين إن المخففة وإن الشرطية.
والإبلاس : يأس مع انكسار. وقوله (مِنْ قَبْلِهِ) تكرير لقوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) [الروم : ٤٩] لتوكيد معنى قبلية نزول المطر وتقريره في نفوس السامعين. قال ابن