عطية : أفاد التأكيد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ا ه. يعني أن إعادة قوله (مِنْ قَبْلِهِ) زيادة تنبيه على الحالة التي كانت من قبل نزول المطر. وقال في «الكشاف» : «فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم» ا ه. يعني أن فائدة إعادة (مِنْ قَبْلِهِ) أن مدة ما قبل نزول المطر مدة طويلة فأشير إلى قوتها بالتوكيد.
وضمير (قَبْلِهِ) عائد إلى المصدر المأخوذ من (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) أي تنزيله.
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠))
رتب على ما تقرر من استحضار صورة تكوين أسباب المطر واستبشار الناس بنزوله بعد الإبلاس ، أن اعترض بذكر الأمر بالنظر إلى أثر الرحمة وإغاثة الله عباده حين يحيي لهم الأرض بعد موتها بالجفاف. والأمر بالنظر للاعتبار والاستدلال. والنظر : رؤية العين. وعبر عن الجفاف بالموت لأن قوام الحياة الرطوبة ، وعبر عن ضده بالإحياء. والخطاب بانظر لغير معين ليعم كل من يتأتى منه النظر مثل قوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) [الروم : ٤٨].
و (رَحْمَةِ اللهِ) : هي صفته التي تتعلق بإمداد مخلوقاته ذوات الإدراك بما يلائمها ويدفع عنها ما يؤلمها وذلك هو الإنعام.
وأثر الشيء : ما ينشأ عنه مما يدل عليه. فرحمة الله دلت عليها الآثار الدالة على وجوده وتصرفه بما فيه رحمة للخلق. و (كَيْفَ) بدل من آثار أو مفعول لانظر أي : انظر هيئة إحياء الله الأرض بعد موتها ، تلك الحالة التي هي أثر من آثار رحمته الناس على حدّ قوله (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية : ١٧] إذ جعلوا (كَيْفَ) بدلا من الإبل بدل اشتمال وإن أباه ابن هشام في «مغني اللبيب». وقد مضى عند قوله (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) في سورة الفرقان [٤٥] ، وتقدم آنفا في قوله (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) [الروم : ٤٨].
وأطلق على إنبات الأرض إحياء وعلى قحولتها الموت على سبيل الاستعارة.
وجملة (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) استئناف وهو إدماج ؛ أدمج دليل البعث عقب