الاعتبار بإحياء الأرض بعد موتها. وحرف التوكيد يفيد مع تقرير الخبر زيادة معنى فاء التسبب كقول بشار :
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير |
|
إن ذاك النجاح في التبكير |
إذ التقدير : فالنجاح في التبكير ، كما تقرر غير مرة. واسم الإشارة عائد إلى اسم الله تعالى بما أجري عليه من الإخبار بإحياء الأرض بعد موتها ليفيد اسم الإشارة معنى أنه جدير بما يرد بعده من الخبر عن المشار إليه. فالمعنى : أن الله الذي يحيي الأرض بعد موتها لمحيي الموتى ، تقريبا لتصور البعث. وعدل عن الموصول إلى الإشارة للإيجاز ، ولما في الإشارة من التعظيم. وذيل ذلك بقوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإنه يعم جميع الأشياء والبعث من جملتها إذ ليس هو إلا إيجاد خلق وهو مقدور لله تعالى كما أنشأ الخلق أول مرة. والشبه تام ، لأن إحياء الأرض إيجاد أمثال ما كان عليها من النبات فكذلك إحياء الموتى إيجاد أمثالهم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم إلى أثر بالإفراد. وقرأه الباقون (إِلى آثارِ) بصيغة الجمع.
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١))
عطف على جملة (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) [الروم : ٤٩] وما بينهما اعتراض واستطراد لغرض قد علمته آنفا. وهذه الجملة سيقت للتنبيه على أن الكفران مطبوع في نفوسهم بحيث يعاودهم بأدنى سبب فهم إذا أصابتهم النعمة استبشروا ولم يشكروا وإذا أصابتهم البأساء أسرعوا إلى الكفران فصوّر لكفرهم أعجب صورة وهي إظهارهم إياه بحدثان ما كانوا مستبشرين منه إذ يكون الزرع أخضر والأمل في الارتزاق منه قريبا فيصيبه إعصار فيحترق فيضجّون من ذلك وتكون حالهم حالة من يكفر بالله وتجري على أقوالهم عبارات السخط والقنوط ، كما قال بعض رجّاز الأعراب إذ أصاب قومه قحط:
ربّ العباد ما لنا وما لك |
|
قد كنت تسقينا فما بدا لك |
أنزل علينا الغيث لا أبا لك فالضمير المنصوب في (فَرَأَوْهُ) عائد إلى أثر رحمة الله [الروم : ٥٠] وهو الزرع والكلأ والشجر. والاصفرار في الزرع ونحوه مؤذن بيبسه ، وسموا صفارا بضم الصاد وتخفيف الفاء : داء يصيب الزرع.