والمصفر : اسم فاعل مقتض الوصف بمعناه في الحال ، أي فرأوه يصير أصفر ، فالتعبير ب (مُصْفَرًّا) لتصوير حدثان الاصفرار عليه دون أن يقال : فرأوه أصفر.
وظل : بمعنى صار ، والإتيان بفعل التصيير مع الإخبار عنه بالمضارع لتصوير مبادرتهم إلى الكفر ثم استمرارهم عليه. والحاصل أن المعنى أنه يغلب الكفر على أحوالهم. واعلم أن الإتيان بالأفعال الثلاثة ماضية لأن وقوعها في سياق الشرط يمحضها للاستقبال ، فأوثرت صيغة المضي لأنها أخف والمتكلم مخيّر في اجتلاب أيّ الصيغتين مع الشرط ، مثل قوله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [الإسراء : ٨٨] بصيغة المضارع لأن المقام للنفي ب (لا) وهي لا تدخل على الماضي المسند إلى مفرد إلا في الدعاء.
[٥٢ ـ ٥٣] (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))
الفاء للترتيب على قوله (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) [الروم : ٥١] المفيد أن الكفر غالب أحوالهم لأنهم بين كفر بالله وبين إعراض عن شكره ، أو الفاء فصيحة تدل على كلام مقدر ، أي إن كبر عليك إعراضهم وساءك استرسالهم على الكفر فإنهم كالموتى وإنك لا تسمع الموتى. وهذا معذرة للنبي صلىاللهعليهوسلم ونداء على أنه بذل الجهد في التبليغ. وفيما عدا الفاء فالآية نظير التي في آخر سورة النمل ونزيد هنا فنقول : إن تعداد التشابيه منظور فيه إلى اختلاف أحوال طوائف المشركين فكان لكل فريق تشبيه : فمنهم من غلب عليهم التوغل في الشرك فلا يصدقون بما يخالفه ولا يتأثرون بالقرآن والدعوة إلى الحق ؛ فهؤلاء بمنزلة الأموات أشباح بلا إدراك ، وهؤلاء هم دهماؤهم وأغلبهم ولذلك ابتدئ بهم. ومنهم من يعرض عن استماع القرآن وهم الذين يقولون : (فِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥] ويقولون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] وهؤلاء هم ساداتهم ومدبّرو أمرهم يخافون إن أصغوا إلى القرآن أن يملك مشاعرهم فلذلك يتباعدون عن سماعه ، ولهذا قيّد الذي شبهوا به بوقت توليهم مدبرين إعراضا عن الدعوة ، فهو تشبيه تمثيل. ومنهم من سلكوا مسلك ساداتهم واقتفوا خطاهم فانحرفت أفهامهم عن الصواب فهم يسمعون القرآن ولا يستطيعون العمل به ، وهؤلاء هم الذين اعتادوا متابعة أهوائهم وهم الذين قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٢] ويحصل من جميع ذلك تشبيه جماعتهم بجماعة تجمع أمواتا وصما وعميا فليس هذا من تعدد