التشبه لمشبه واحد كالذي في قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩].
وقرأ الجمهور : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) بتاء فوقية مضمومة وكسر ميم (تُسْمِعُ) ونصب (الصُّمَ) ، على أنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم. وقرأه ابن كثير ولا يسمع الصم بتحتية مفتوحة وبفتح ميم يسمع ورفع الصم على الفاعلية ليسمع. وقرأ الجمهور بهادي بموحدة وبألف بعد الهاء وبإضافة هادي إلى (الْعُمْيِ) ، وقرأه حمزة وحده تهدي بمثناة فوقية وبدون ألف بعد الهاء على الخطاب وبنصب العمي على المفعولية.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤))
هذا رابع استئناف من الأربعة المتقدمة رجوع إلى الاستدلال على عظيم القدرة في مختلف المصنوعات من العوالم لتقرير إمكانية البعث وتقريب حصوله إلى عقول منكريه لأن تعدد صور إيجاد المخلوقات وكيفياته من ابتدائها عن عدم أو من إعادتها بعد انعدامها وبتطور وبدونه مما يزيد إمكان البعث وضوحا عند منكريه ، فموقع هذه الآية كموقع قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [الروم : ٤٨] ونظائرها كما تقدم ؛ ولذلك جاءت فاتحتها على أسلوب فواتح نظائرها وهذا ما يؤذن به تعقيبها بقوله (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) [الروم : ٥٥] الآية.
ثم قوله (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) مبتدأ وصفة ، وقوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) هو الخبر ، أي يخلق ما يشاء مما أخبر به وأنتم تنكرون. والضعف بضم الضاد في الآية وهو أفصح وهو لغة قريش. ويجوز في ضاده الفتح وهو لغة تميم. وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله ابن عمر قال : قرأتها على رسول الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ـ يعني بفتح الضاد ـ فأقرأني : من ضعف يعني بضم الضاد ـ. وقرأ الجمهور ألفاظ (ضَعْفٍ) الثلاثة ـ بضم الضاد ـ في الثلاثة. وقرأها عاصم وحمزة بفتح الضاد ، فلهما سند لا محالة يعارض حديث ابن عمر. والجمع بين هذه القراءة وبين حديث ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم نطق بلغة الضم لأنها لغة قومه ، وأن الفتح رخصة لمن يقرأ بلغة قبيلة أخرى ، ومن لم يكن له لغة تخصه فهو مخيّر بين القراءتين. والضعف : الوهن واللين.
و (مِنْ) ابتدائية ، أي : مبتدأ خلقه من ضعف ، أي : من حالة ضعف ، وهي حالة كونه جنينا ثم صبيا إلى أن يبلغ أشده ، وهذا كقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧]