أي إذا كان كذلك فهذا يوم البعث كالفاء في قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
وهذا توبيخ لهم وتهديد وتعجيل لإساءتهم بما يترقبهم من العذاب. والاقتصار على (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) ليتوقعوا كل سوء وعذاب.
والاستدراك في (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) استدراك على ما تضمنته جملة (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) أي لقد بلغكم ذلك وكان الشأن أن تستعدوا له ولكنكم كنتم لا تعلمون ، أي : لا تتصدون للعلم بما فيه النفع بل كان دأبكم الإعراض عن تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وفي التعبير بنفي العلم وقصد نفي الاهتمام به والعناية بتلقيه إشارة إلى أن التصدي للتعلّم وسيلة لحصوله.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧))
تفريع على جملة (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم : ٥٥]. والذين ظلموا هم المشركون الذين أقسموا ما لبثوا غير ساعة ، فالتعبير عنهم بالذين ظلموا إظهار في مقام الإضمار لغرض التسجيل عليهم بوصف الظلم وهو الإشراك بالله لأنه جامع لفنون الظلم ، ففيه الاعتداء على حق الله ، وظلم المشرك نفسه بتعريضها للعذاب ، وظلمهم الرسولصلىاللهعليهوسلم بالتكذيب ، وظلمهم المؤمنين بالاعتداء على أموالهم وأبشارهم.
والمعذرة : اسم مصدر اعتذر ، إذا أبدى علة أو حجة ليدفع عن نفسه مؤاخذة على ذنب أو تقصير. وهو مشتق من فعل عذره ، إذا لم يؤاخذه على ذنب أو تقصير لأجل ظهور سبب يدفع عنه المؤاخذة بما فعله. وإضافة (معذرة) إلى ضمير (الَّذِينَ ظَلَمُوا) تقتضي أن المعذرة واقعة منهم. ثم يجوز أن تكون الإضافة للتعريف بمعذرة معهودة فتكون هي قولهم (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) [الروم : ٥٥] كما تقدم ، ويجوز أن يكون التعريف للعموم كما هو شأن المصدر المضاف ، أي : لا تنفعهم معذرة يعتذرون بها مثل قولهم (غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) [المؤمنون : ١٠٦] وقولهم (هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف : ٣٨].
واعلم أن هذا لا ينافي قوله تعالى (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦] المقتضي نفي وقوع الاعتذار منهم لأن الاعتذار المنفي هو الاعتذار المأذون فيه ، أي :