لما ذكر عذاب من يضل عن سبيل الله اتبع ببشارة المحسنين الذين وصفوا بأنهم يقيمون الصلاة إلى قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [لقمان : ٥].
وانتصب (وَعْدَ اللهِ) على المفعول المطلق النائب عن فعله ، وانتصب (حَقًّا) على الحال المؤكدة لمعنى عاملها كما تقدم في صدر سورة يونس. وإجراء الاسمين الجليلين على ضمير الجلالة لتحقيق وعده لأنه لعزته لا يعجزه الوفاء بما وعد ، ولحكمته لا يخطئ ولا يذهل عما وعد ، فموقع جملة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) موقع التذييل بالأعم.
[١٠ ـ ١١] (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١))
استئناف للاستدلال على الذين دأبهم الإعراض عن آيات الله بأن الله هو خالق المخلوقات فلا يستحق غيره أن تثبت له الإلهية فكان ادعاء الإلهية لغير الله هو العلة للإعراض عن آيات الكتاب الحكيم ، فهم لما أثبتوا الإلهية لما لا يخلق شيئا كانوا كمن يزعم أن الأصنام مماثلة الله تعالى في أوصافه فذلك يقتضي انتفاء وصف الحكمة عنه كما هو منتف عنها. ولذا فإن موقع هذه الآيات موقع دليل الدليل ، وهو المقام المعبر عنه في علم الاستدلال بالتدقيق ، وهو ذكر الشيء بدليله ودليل دليله ، فالخطاب في قوله (تَرَوْنَها) و (بِكُمْ) للمشركين ، وقد تقدم في سورة الرعد [٢] قوله : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) ، وتقدم في أول سورة النحل [١٥] قوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) والمعنى خوف أن تميد بكم أو لئلا تميدكم كما بين هنالك. وتقدم في سورة البقرة [١٦٤] قوله : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ).
وقوله (أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو نظير قوله في سورة البقرة [١٦٤] (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) وقوله في سورة الرعد [١٧] (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ).
والالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله (وَأَنْزَلْنا) للاهتمام بهذه النعمة التي هي أكثر دورانا عند الناس. وضمير (فِيها) عائد إلى الأرض.
والزوج : الصنف ، وتقدم في قوله تعالى (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) في طه [٥٣] وقوله (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) في سورة الحج [٥].