وللتنبيه على هذا المعنى أعقب الله الشكر المأمور به ببيان أن فائدته لنفس الشاكر لا للمشكور بقوله (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن آثار شكر الله كمالات حاصلة للشاكر ولا تنفع المشكور شيئا لغناه سبحانه عن شكر الشاكرين ، ولذلك جيء به في صورة الشرط لتحقيق التعلق بين مضمون الشرط ومضمون الجزاء ، فإن الشرط أدل على ذلك من الإخبار. وجيء بصيغة حصر نفع الشكر في الثبوت للشاكر بقوله (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي ما يشكر إلا لفائدة نفسه ، ولام التعليل مؤذنة بالفائدة. وزيد ذلك تبينا بعطف ضده بقوله (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لإفادة أن الإعراض عن الشكر بعد استشعاره كفر للنعمة وأن الله غنيّ عن شكره بخلاف شأن المخلوقات إذ يكسبهم الشكر فوائد بين بني جنسهم تجر إليهم منافع الطاعة أو الإعانة أو الإغناء أو غير ذلك من فوائد الشكر للمشكورين على تفاوت مقاماتهم ، والله غني عن جميع ذلك ، وهو (حَمِيدٌ) ، أي : كثير المحمودية بلسان حال الكائنات كلها حتى حال الكافر به كما قال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) سورة الرعد [١٥].
ومن بلاغة القرآن وبديع إيجازه أن كان قوله (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) جامعا لمبدأ الحكمة التي أوتيها لقمان ، ولأمره بالشكر على ذلك ، فقد جمع قوله (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) الإرشاد إلى الشكر ، مع الشروع في الأمر المشكور عليه تنبيها على المبادرة بالشكر عند حصول النعمة. وإنما قوبل الإعراض عن الشكر بوصف الله بأنه حميد لأن الحمد والشكر متقاربان ، وفي الحديث : «الحمد رأس الشكر» ، فلما لم يكن في أسماء الله تعالى اسم من مادة الشكر إلا اسمه الشكور وهو بمعنى شاكر ، أي : شاكر لعباده عبادتهم إياه عبر هنا باسمه (حَمِيدٌ). وجيء في فعل (يَشْكُرْ) بصيغة المضارع للإيماء إلى جدارة الشكر بالتجديد.
واللام في قوله (أَنِ اشْكُرْ لِي) [لقمان : ١٤] داخلة على مفعول الشكر وهي لام ملتزم زيادتها مع مادة الشكر للتأكيد والتقوية ، وتقدم في قوله (وَاشْكُرُوا لِي) في سورة البقرة [١٥٢].
(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣))
عطف على جملة (آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان : ١٢] لأن الواو نائبة مناب الفعل فمضمون هذه الجملة يفسر بعض الحكمة التي أوتيها لقمان. والتقدير : وآتيناه الحكمة إذ