إعادة فهو معدوم وأصله مأخوذ من تصرف الحي فيكون (ما يُبْدِئُ) و (ما يُعِيدُ) كناية عن الهلاك كما قال عبيد بن الأبرص :
أفقر من أهله عبيد |
|
فاليوم لا يبدي ولا يعيد |
(يعني نفسه).
ويقولون أيضا : فلان ما يبدئ وما يعيد ، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة ، أي لا يرتجل كلاما ولا يجيب عن كلام غيره. وأكثر ما يستعمل فعل (أبدأ) المهموز أوله مع فعل (أعاد) مزدوجين في إثبات أو نفي ، وقد تقدم قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) في سورة العنكبوت [١٩].
(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠))
لما جرى ذكر الحق والباطل وكانوا يزعمون من مجموع أقوالهم أن النبي عليه الصلاة والسلام غير صادق في دعوى الرسالة من الله كانت أقوالهم تقتضي زعمهم إياه على ضلال وكان الردّ عليهم قاطعا بأنه على هدى بقوله : (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) [سبأ : ٤٩] انتقل هنا إلى متاركة جدالهم وتركهم وشأنهم لقلة جدوى مراجعتهم.
وهذا محضر خاص وطيّ بساط مجلس واحد ، فلا يقتضي أنه يستمر على ترك مجادلتهم لأن الواقع ينافي ذلك فقد نزل القرآن بعد ذلك طويلا مشتملا على دعوتهم وتحذيرهم وإنذارهم.
وصيغة القصر التي في قوله : (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) لقصر الضلال المفروض ، أي على نفسي لا عليكم لأنهم كانوا يحاولون أن يقلع عمّا دعاهم إليه ولم يقتصروا على صدودهم.
وتعدية (أَضِلُ) بحرف (عَلى) تتضمن استعارة مكنية إذ شبه الضلال بجريرة عليه فعدّاه بالحرف الشائع استعماله في الأشياء المكره عليها غير الملائمة ، عكس اللام ، وذكر حرف الاستعلاء تخييل للمكنية ولا يقال : ضمّن (أَضِلُ) معنى أجني ، لأن (ضَلَلْتُ) الذي هو فعل الشرط المفروض غير مضمن معنى فعل آخر.