القرآن في انتهاز الفرص لتبليغ العقائد.
و (بَلى) حرف جواب مختص بإبطال النفي فهو حرف إيجاب لما نفاه كلام قبله وهو نظير (بل) أو مركب من (بل) وألف زائدة ، أو هي ألف تأنيث لمجرد تأنيث الكلمة مثل زيادة تاء التأنيث في ثمّة وربّة ، لكن (بَلى) حرف يختص بإيجاب النفي فلا يكون عاطفا و (بل) يجاب به الإثبات والنفي وهو عاطف ، وتقدم الكلام على (بَلى) عند قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) في سورة البقرة [٨١].
وأكد ما اقتضاه (بَلى) من إثبات إتيان الساعة بالقسم على ذلك للدلالة على ثقة المتكلم بأنها آتية وليس ذلك لإقناع المخاطبين وهو تأكيد يروع السامعين المكذبين.
وعدّي إتيانها إلى ضمير المخاطبين من بين جميع الناس دون : لتأتينّا ، ودون أن يجرد عن التعدية لمفعول ، لأن المراد إتيان الساعة الذي يكون عنده عقابهم كما يقال : أتاكم العدوّ ، وأتاك أتاك اللّاحقون ، فتعلقه بضمير المخاطبين قرينة على أنه كناية عن إتيان مكروه فيه عذاب.
وفعل (أتى) يرد كثيرا في معنى حلول المكروه مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] و (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) [الزمر : ٢٥] و (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ)[الأنعام : ١٥٨]، وقول النابغة :
فلتأتينك قصائد وليدفعن |
|
جيشا إليك قوادم الأكوار |
وقوله :
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
ومن هذا ينتقلون إلى تعدية فعل (أتى) بحرف (على) فيقولون : أتى على كذا ، إذا استأصله. ويكثر في غير ذلك استعمال فعل (جاء) ، وقد يكون للمكروه نحو (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) [يونس : ٢٢].
(عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
(عالِمِ الْغَيْبِ) خبر ثان عن ضمير الجلالة في قوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سبأ : ١] في قراءة من قرأه بالرفع ، وصفة ل (رَبِّي) المقسم به في قراءة من قرأه بالجر وقد اقتضت ذكره مناسبة تحقيق إتيان الساعة فإن وقتها وأحوالها من الأمور المغيبة في علم الناس.