(مِنْ رَحْمَةٍ).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ).
لما جرى ذكر رحمة الله التي تعم الناس كلهم أقبل على خطابهم بأن يتذكروا نعمة الله عليهم الخاصة وهي النعمة التي تخص كل واحد بخاصته فيأتلف منها مجموع الرحمة العامة للناس كلهم وما هي إلّا بعض رحمة الله بمخلوقاته.
والمقصود من تذكر النعمة شكرها وقدرها قدرها. ومن أكبر تلك النعم نعمة الرسالة المحمدية التي هي وسيلة فوز الناس الذين يتبعونها بالنعيم الأبدي. فالمراد بالذكر هنا التذكر بالقلب وباللسان فهو من عموم المشترك أو من إرادة القدر المشترك فإن الذكر باللسان والذكر بالقلب يستلزم أحدهما الآخر وإلّا لكان الأول هذيانا والثاني كتمانا. قال عمر بن الخطاب : «أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه» ، أي وفي كليهما فضل.
ووصفت النعمة ب (عَلَيْكُمْ) لأن المقصود من التذكر التذكر الذي يترتب عليه الشكر ، وليس المراد مطلق التذكر بمعنى الاعتبار والنظر في بديع فضل الله ، فذلك له مقام آخر ، على أن قوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) قد تضمن الدعوة إلى النظر في دليل الوحدانية والقدرة والفضل.
والاستفهام إنكاري في معنى النفي ولذلك اقترن ما بعده ب (مِنْ) التي تزاد لتأكيد النفي ، واختير الاستفهام ب (هَلْ) دون الهمزة لما في أصل معنى (هَلْ) من الدلالة على التحقيق والتصديق لأنها في الأصل بمعنى (قد) وتفيد تأكيد النفي.
والاهتمام بهذا الاستثناء قدّم في الذكر قبل ما هو في قوة المستثنى منه. وجعل صفة ل (خالِقٍ) لأن (غَيْرُ) صالحة للاعتبارين ولذلك جرت القراءات المشهورة على اعتبار (غَيْرُ) هنا وصفا ل (خالِقٍ) ، فجمهور القراء قرءوه برفع (غَيْرُ) على اعتبار محلّ (خالِقٍ) المجرور ب (مِنْ) لأن محله رفع بالابتداء. وإنما لم يظهر الرفع للاشتغال بحركة حرف الجر الزائد. وقرأه حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بالجر على اتباع اللفظ دون المحل. وهما استعمالان فصيحان في مثله اهتم بالتنبيه عليهما سيبويه في «كتابه».