وأنى اسم استفهام يجيء بمعنى استفهام عن الحالة أو عن المكان أو عن الزمان. والاستفهام عن حالة انصرافهم هو المتعين هنا وهو استفهام مستعمل في التعجيب من انصرافهم عن الاعتراف بالوحدانية تبعا لمن يصرفهم وهم أولياؤهم وكبراؤهم.
و (تُؤْفَكُونَ) مبنيّ للمجهول من أفكه من باب ضربه ، إذا صرفه وعدل به ، فالمصروف مأفوك. وحذف الفاعل هنا لأن آفكيهم أصناف كثيرون ، وتقدم في قوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) في سورة براءة [٣٠].
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤))
عطف على جملة (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [فاطر : ٣] أي وإن استمرّوا على انصرافهم عن قبول دعوتك ولم يشكروا النعمة ببعثك فلا عجب فقد كذب أقوام من قبلهم رسلا من قبل. وهو انتقال من خطاب الناس إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم لمناسبة جريان خطاب الناس على لسانه فهو مشاهد لخطابهم ، فلا جرم أن يوجه إليه الخطاب بعد توجيهه إليهم إذ المقام واحد كقوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٩].
وإذ قد أبان لهم الحجة على انفراد الله تعالى بالإلهية حين خاطبهم بذلك نقل الإخبار عن صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أنكروا قبوله منه فإنه لما استبان صدقه في ذلك بالحجة ناسب أن يعرّض إلى الذين كذبوه بمثل عاقبة الذين كذبوا الرسل من قبله وقد أدمج في خلال ذلك تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم على تكذيب قومه إياه بأنه لم يكن مقامه في ذلك دون مقام الرسل السابقين.
وجيء في هذا الشرط بحرف (إِنْ) الذي أصله أن يعلق به شرط غير مقطوع بوقوعه تنزيلا لهم بعد ما قدمت إليهم الحجة على وحدانية الله المصدقة لما جاءهم به الرسول عليه الصلاة والسلام فكذبوه فيه ، منزلة من أيقن بصدق الرسول فلا يكون فرض استمرارهم على تكذيبه إلّا كما يفرض المحال.
وهذا وجه إيثار الشرط هنا بالفعل المضارع الذي في حيّز الشرط يتمخض للاستقبال ، أي إن حدث منهم تكذيب بعد ما قرع أسماعهم من البراهين الدامغة.
والمذكور جوابا للشرط إنما هو سبب لجواب محذوف إذ التقدير : وإن يكذبوك فلا يحزنك تكذيبهم إذ قد كذبت رسل من قبلك فاستغني بالسبب عن المسبب لدلالته عليه.