أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٧].
وتأكيد الخبر بحرف التأكيد لقصد تحقيقه لأنهم بغفلتهم عن عداوة الشيطان كحال من ينكر أن الشيطان عدوّ.
وتقديم (لَكُمْ) على متعلّقة للاهتمام بهذا المتعلّق فرع عنه أن أمروا باتخاذه عدوّا لأنهم إذا علموا أنه عدوّ لهم حقّ عليهم اتخاذه عدوّا وإلّا لكانوا في حماقة. وفيه تنبيه على وجوب عداوتهم الدعاة في الضلالة المستمدين من الشيطان.
والكلام على لفظ عدوّ تقدم عند قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) في سورة النساء [٩٢].
واللام في (لَكُمْ) لام الاختصاص وهي التي تتضمنها الإضافة فلما قدم ما حقه أن يكون مضافا إليه صرح باللام ليحصل معنى الإضافة.
وإنما أمر الله باتخاذ العدوّ عدوا ولم يندب إلى العفو عنه والإغضاء عن عداوته كما أمر في قوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : ٤٠] ونحو ذلك مما تكرر في القرآن وكلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأن ما ندب إليه من العفو إنما هو فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض رجاء صلاح حال العدوّ لأن عداوة المسلم عارضة لأغراض يمكن زوالها ولها حدود لا يخشى معها المضار الفادحة كما قال تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤] ولذلك لم يأمر الله تعالى بمثل ذلك مع أعداء الدين فقال : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] الآية ، بل لم يأمر الله تعالى بالعفو عن المحاربين من أهل الملّة لأن مناوأتهم غير عارضة بل هي لغرض ابتزاز الأموال ونحو ذلك فقال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٣٤] فعداوة الشيطان لما كانت جبلّية لا يرجى زوالها مع من يعفو عنه لم يأمر الله إلّا باتخاذه عدوّا لأنه إذا لم يتخذ عدوّا لم يراقب المسلم مكايده ومخادعته. ومن لوازم اتخاذه عدوّا العمل بخلاف ما يدعو إليه لتجنب مكايده ولمقته بالعمل الصالح.
فالإيقاع بالناس في الضرّ لا يسلم منه أولياؤه ولا أعداؤه ولكن أولياءه يضمر لهم العداوة ويأنس بهم لأنه يقضي بهم وطره وأما أعداؤه فهو مع عداوته لهم يشمئزّ وينفر ويغتاظ من مقاومتهم وساوسه إلى أن يبلغ حدّ الفرار من عظماء الأمة فقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر : «إيه يا بن الخطاب ما رآك الشيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك». وورد في