«الصحيح» «إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان» الحديث. وورد «أنه ما ريء الشيطان أخسأ وأحقر منه في يوم عرفة لما يرى من الرحمة».
وأعقب الأمر باتخاذ الشيطان عدوّا بتحذير من قبول دعوته وحثّ على وجوب اليقظة لتغريره وتجنب توليه بأنه يسعى في ضرّ أوليائه وحزبه فيدعوهم إلى ما يوقعهم في السعير. وهذا يؤكد الأمر باتخاذه عدوّا لأن أشدّ الناس تضررا به هم حزبه وأولياؤه.
وجملة (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) تعليل لجملة (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا). وجيء بها في صيغة حصر لانحصار دعوته في الغاية المذكورة عقبها بلام العلة كيلا يتوهم أن دعوته تخلو عن تلك الغاية ولو في وقت ما. وبهذا العموم الذي يقتضيه الحصر صارت الجملة أيضا في معنى التذييل لما قبلها كله.
ومقتضى وقوع فعل (يَدْعُوا) في حيّز القصر أن مفعوله وهو قوله : (حِزْبَهُ) هو المقصود من القصر ، أي أنه يدعو حزبه ولا يدعو غير حزبه ، والشيطان يدعو الناس كلّهم سواء في ذلك حزبه ومن لم يركن إلى دعوته إلّا أن أثر دعوته لا يظهر إلّا في الذين يركنون له فيصيرون حزبه قال تعالى له : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢]. وحكى الله عن الشيطان بقوله : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ، ٤٠] فتعين أن في الكلام إيجاز حذف. والتقدير : إنما يدعو حزبه دعوة بالغة مقصده. والقرينة هي ما تقدم من التحذير ولو كان لا يدعو إلّا حزبه لما كان لتحذير غيرهم فائدة.
واللام في قوله : (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) يجوز أن تكون لام العلة فإن الشيطان قد يكون ساعيا لغاية إيقاع الآدميين في العذاب نكاية بهم ، وهي علة للدعوة مخفية في خاطره الشيطاني وإن كان لا يجهر بها لأن إخفاءها من جملة كيده وتزيينه ، ويجوز أن تكون اللام لام العاقبة والصيرورة مثل (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] قال ابن عطية : لأنه لم يدعهم إلى السعير إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك.
و (السَّعِيرِ) : النار الشديدة ، وغلب في لسان الشرع على جنهم.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))