وتأكيد الخبر ب (إِنَ) إما تمثيل لحال الرسول صلىاللهعليهوسلم بحال من أغفله التحسر عليهم عن التأمل في إمهال الله إياهم فأكد له الخبر ب (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) ، وإمّا لجعل التأكيد لمجرد الاهتمام بالخبر لتكون (إِنَ) مغنية غناء فاء التفريع فتتمخض الجملة لتقرير التسلية والتعريض بالجزاء عن ذلك.
وعبر ب (يَصْنَعُونَ) دون : يعملون ، للإشارة إلى أنهم يدبرون مكائد للنبيصلىاللهعليهوسلم وللمسلمين فيكون هذا الكلام إيذانا بوجود باعث آخر على النزع عن الحسرة عليهم. وعن ابن عباس : أن المراد به أبو جهل وحزبه.
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩))
لما قدم في أول السورة الاستدلال بأن الله فطر السماوات والأرض وما في السماوات من أهلها وذلك أعظم دليل على تفرده بالإلهية ثنّي هنا بالاستدلال بتصريف الأحوال بين السماء والأرض وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر ، فهذا عطف على قوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [فاطر : ١].
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار دون أن يقول وهو الذي أرسل الرياح فيعود الضمير إلى اسم الله من قوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) [فاطر : ٨].
واختير من دلائل الوحدانية دلالة تجمع أسباب المطر ليفضي من ذلك إلى تنظير إحياء الأموات بعد أحوال الفناء بآثار ذلك الصنع العجيب وأن الذي خلق وسائل إحياء الأرض قادر على خلق وسائل إحياء الذين ضمنتهم الأرض على سبيل الإدماج.
وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإحياء وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله : (أَرْسَلَ). وأما تغييره إلى المضارع في قوله : (فَتُثِيرُ سَحاباً) فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع. وهو نظير قول تأبط شرّا :
بأني قد لقيت الغول تهوي |
|
بسهب كالصحيفة صحصحان |
فأضربها بلا دهش فخرت |
|
صريعا لليدين وللجران |
فابتدأ ب (لقيت) لإفادة وقوع ذلك ثم ثنى ب (أضربها) لاستحضار تلك الصورة