(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً).
مضى ذكر غرورين إجمالا في قوله تعالى : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا)[فاطر : ٥]، (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [فاطر : ٥] فأخذ في تفصيل الغرور الثاني من قوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) [فاطر : ٦] وما استتبعه من التنبيه على أحجار كيده وانبعاث سموم مكره والحذر من مصارع متابعته وإبداء الفرق بين الواقعين في حبائله والمعافين من أدوائه ، بدارا بتفصيل الأهم والأصل ، وأبقى تفصيل الغرور الأول إلى هنا.
وإذ قد كان أعظم غرور المشركين في شركهم ناشئا عن قبول تعاليم كبرائهم وسادتهم وكان أعظم دواعي القادة إلى تضليل دهمائهم وصنائعهم ، هو ما يجدونه من العزة والافتنان بحب الرئاسة فالقادة يجلبون العزة لأنفسهم والأتباع يعتزّون بقوة قادتهم ، لا جرم كانت إرادة العزّة ملاك تكاتف المشركين بعضهم مع بعض ، وتألبهم على مناوأة الإسلام ، فوجّه الخطاب إليهم لكشف اغترارهم بطلبهم العزة في الدنيا ، فكل مستمسك بحبل الشرك معرض عن التأمل في دعوة الإسلام ، لا يمسّكه بذلك إلّا إرادة العزة ، فلذلك نادى عليهم القرآن بأن من كان ذلك صارفه عن الدين الحق فليعلم بأن العزة الحق في اتباع الإسلام وأن ما هم فيه من العزة كالعدم.
و (مَنْ) شرطية ، وجعل جوابها (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) ، وليس ثبوت العزة لله بمرتب في الوجود على حصول هذا الشرط فتعين أن ما بعد فاء الجزاء هو علة الجواب أقيمت مقامه واستغني بها عن ذكره إيجازا ، وليحصل من استخراجه من مطاوي الكلام تقرّره في ذهن السامع ، والتقدير : من كان يريد العذاب فليستجب إلى دعوة الإسلام ففيها العزة لأن العزة كلها لله تعالى ، فأما العزة التي يتشبثون بها فهي كخيط العنكبوت لأنها واهية بالية. وهذا أسلوب متبع في المقام الذي يراد فيه تنبيه المخاطب على خطإ في زعمه كما في قول الربيع بن زياد العبسي في مقتل مالك بن زهير العبسي :
من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار |
يجد النساء حواسرا يندبنه |
|
بالليل قبل تبلّج الإسفار |
أراد أن من سرّه مقتل مالك فلا يتمتع بسروره ولا يحسب أنه نال مبتغاه لأنه إن أتى