وانتصب (جَمِيعاً) على الحال من (الْعِزَّةَ) وكأنه فعيل بمعنى مفعول ، أي العزة كلها لله لا يشذ شيء منها فيثبت لغيره ، لأن العزة المتعارفة بين الناس كالعدم إذ لا يخلو صاحبها من احتياج ووهن والعزة الحق لله.
وتعريف (الْعِزَّةَ) تعريف الجنس. والعزة : الشرف والحصانة من أن ينال بسوء. فالمعنى : من كان يريد العزة فانصرف عن دعوة الله إبقاء على ما يخاله لنفسه من عزة فهو مخطئ إذ لا عزة له فهو كمن أراق ماء للمع سراب. والعزة الحق لله الذي دعاهم على لسان رسوله. وعزة المولى ينال حزبه وأولياءه حظ منها فلو اتبعوا أمر الله فالتحقوا بحزبه صارت لهم عزة الله وهي العزة الدائمة ؛ فإن عزة المشركين يعقبها ذلّ الانهزام والقتل والأسر في الدنيا وذلّ الخزي والعذاب في الآخرة ، وعزة المؤمنين في تزايد الدنيا ولها درجات كمال في الآخرة.
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
كما أتبع تفصيل غرور الشيطان بعواقبه في الآخرة بقوله : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦] الآية ، وبذكر مقابل عواقبه من حال المؤمنين ، كذلك أتبع تفصيل غرور الأنفس أهلها بعواقبه وبذكر مقابله أيضا ليلتقي مآل الغرورين ومقابلهما في ملتقى واحد ، ولكن قدم في الأول عاقبة أهل الغرور بالشيطان ثم ذكرت عاقبة أضدادهم ، وعكس في ما هنا لجريان ذكر عزة الله فقدم ما هو المناسب لآثار عزة الله في حزبه وجنده.
وجملة (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا بمناسبة تفصيل الغرور الذي يوقع فيه.
والمقصود أن أعمال المؤمنين هي التي تنفع ليعلم الناس أن أعمال المشركين سعي باطل. والقربات كلّها ترجع إلى أقوال وأعمال ، فالأقوال ما كان ثناء على الله تعالى واستغفارا ودعاء ، ودعاء الناس إلى الأعمال الصالحة. وتقدم ذكرها عند قوله تعالى : (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) في سورة الأحزاب [٧٠]. والأعمال فيها قربات كثيرة. وكان المشركون يتقربون إلى أصنامهم بالثناء والتمجيد كما قال أبو سفيان يوم أحد : اعل هبل ، وكانوا يتحنثون بأعمال من طواف وحج وإغاثة ملهوف وكان ذلك كله مشوبا بالإشراك لأنهم ينوون بها التقرب إلى الآلهة فلذلك نصبوا أصناما في الكعبة وجعلوا هبل وهو كبيرهم على سطح الكعبة ، وجعلوا إسافا ونائلة فوق الصفا والمروة ، لتكون مناسكهم لله