أجسام كما تتفتق الحبة عن عرق الشجرة ، أو بخلق جاذبية خاصة بجذب تلك الذرات بعضها إلى بعض ثم يصور منها جسدها ، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ثم تنمو تلك الأجسام سريعا فتصبح في صور أصولها التي كانت في الحياة الدنيا.
وانظر قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) في سورة القمر [٦ ، ٧] ، وقوله : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) في سورة القارعة [٤] فإن الفراش وهو فراخ الجراد تنشأ من البيض مثل الدود ثم لا تلبث إلا قليلا حتى تصير جرادا وتطير. ولهذا سمى الله ذلك البعث نشأة لأن فيه إنشاء جديدا وخلقا معادا وهو تصوير تلك الأجزاء بالصورة التي كانت ملتئمة بها حين الموت ثم إرجاع روح كل جسد إليه بعد تصويره بما سمي بالنفخ فقال : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) [النجم : ٤٧] وقال : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) [ق : ١٥ ، ١٦] الآية. أي فذلك يشبه خلق آدم من تراب الأرض وتسويته ونفخ الروح فيه وذلك بيان مقنع للمتأمل لو نصبوا أنفسهم للتأمل.
وأشار بقوله : (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) إلى ما لا يعلمه إلا الله من العناصر والقوى الدقيقة أجزاؤها الجليلة آثارها ، وتسييرها بما يشمل الأرواح التي تحل في الأجسام والقوى التي تودعها فيها.
[٤ ، ٥] (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥))
لام التعليل تتعلق بفعل (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) [سبأ : ٣] دون تقييد الإتيان بخصوص المخاطبين بل المراد من شملهم وغيرهم لأن جزاء الذين آمنوا لا علاقة له بالمخاطبين فكأنه قيل : لتأتين الساعة ليجزى الذين آمنوا ويجزى الذين سعوا في آياتنا معاجزين ، وهم المخاطبون ، وضمير «يجزي» عائد إلى (عالِمِ الْغَيْبِ) [سبأ : ٣].
والمعنى : أن الحكمة في إيجاد الساعة للبعث والحشر هي جزاء الصالحين على صلاح اعتقادهم وأعمالهم ، أي جزاء صالحا مماثلا ، وجزاء المفسدين جزاء سيئا ، وعلم نوع الجزاء من وصف الفريقين من أصحابه.
والإتيان باسم الإشارة لكل فريق للتنبيه على أن المشار إليه جدير بما سيرد بعد اسم