مخلوطة بعبادة الآلهة تحقيقا لمعنى الإشراك في جميع أعمالهم.
فلما قدم المجرور من قوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أفيد أن كل ما يقدم من الكلم الطيب إلى غير الله لا طائل تحته.
وأما قوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ف (الْعَمَلُ) مقابل (الْكَلِمُ) ، أي الأفعال التي ليست من الكلام ، وضمير الرفع عائد إلى معاد الضمير المجرور في قوله : (إِلَيْهِ) وهو اسم الجلالة من قوله (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً). والضمير المنصوب من (يَرْفَعُهُ) عائد إلى (الْعَمَلُ الصَّالِحُ) أي الله يرفع العمل الصالح.
والصعود : الإذهاب في مكان عال. والرفع : نقل الشيء من مكان إلى مكان أعلى منه ، فالصعود مستعار للبلوغ إلى عظيم القدر وهو كناية عن القبول لديه. والرفع : حقيقته نقل الجسم من مقرّه إلى أعلى منه وهو هنا كناية للقبول عند عظيم ، لأن العظيم تتخيله التصورات رفيع المكان. فيكون كلّ من (يصعد) و (يرفع) تبعتين قرينتي مكنية بأن شبه جانب القبول عند الله تعالى بمكان مرتفع لا يصله إلّا ما يصعد إليه.
فقوله : (الْعَمَلُ) مبتدأ وخبره (يَرْفَعُهُ) ، وفي بناء المسند الفعلي على المسند إليه ما يفيد تخصيص المسند إليه بالمسند ، فإذا انضم إليه سياق جملته عقب سياق جملة القصر المشعر بسريان حكم القصر إليه بالقرينة لاتحاد المقام إذ لا يتوهم أن يقصر صعود الكلم الطيب على الجانب الإلهي ثم يجعل لغيره شركة معه في رفع العمل الصالح ، تعين معنى التخصيص ، فصار المعنى : الله الذي يقبل من المؤمنين أقوالهم وأعمالهم الصالحة.
وإنما جيء في جانب العمل الصالح بالإخبار عنه بجملة (يَرْفَعُهُ) ولم يعطف على (الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) في حكم الصعود إلى الله مع تساوي الخبرين لفائدتين :
أولاهما : الإيماء إلى أن نوع العمل الصالح أهم من نوع الكلم الطيب على الجملة لأن معظم العمل الصالح أوسع نفعا من معظم الكلم الطيب (عدا كلمة الشهادتين وما ورد تفضيله من الأقوال في السنة مثل دعاء يوم عرفة) فلذلك أسند إلى الله رفعه بنفسه
كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تصدّق بصدقة من كسب طيّب ولا يقبل الله إلّا طيبا تلقّاها الرحمن بيمينه ، وكلتا يديه يمين ، فيربيها له كما يربّي أحدكم فلوّه حتى تصير مثل الجبل».
وثانيهما : أن الكلم الطيب يتكيف في الهواء فإسناد الصعود إليه مناسب لماهيته ، وأما العمل الصالح فهو كيفيات عارضة لذوات فاعلة ومفعولة فلا يناسبه إسناد الصعود إليه