بقوله : (تَأْكُلُونَ .... وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) وقوله : (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) فكان المقصد الأول من سياقها الاستدلال على عظيم الصنع فهو الأهم هنا. ولما كان طفو الفلك على الماء حتى لا يغرق فيه أظهر في الاستدلال على عظيم الصنع من الذي ذكر من النعمة والامتنان قدم ما يدل عليه وهو الظرفية في البحر. والمخر في البحر آية صنع الله أيضا بخلق وسائل ذلك والإلهام له ، إلّا أن خطور السفر من ذلك الوصف أو ما يتبادر إلى الفهم فأخر هنا لأنه من مستتبعات الغرض لا من مقصده فهو يستتبع نعمة تيسير الأسفار لقطع المسافات التي لو قطعت بسير القوافل لطالت مدة الأسفار.
ومن هنا يلمع بارق الفرق بين هذه الآية وآية سورة النحل في كون فعل (لِتَبْتَغُوا) غير معطوف بالواو هنا ومعطوفا نظيره في آية النحل لأن الابتغاء علق هنا ب (مَواخِرَ) إيقافا على الغرض من تقديم الظرف ، وفي آية النحل ذكر المخر في عداد الامتنان لأنه به تيسير الأسفار ، ثم فصل بين (مَواخِرَ) وعلته بظرف (فِيهِ) ، فصار ما يومئ إليه الظرف فصلا بغرض أدمج إدماجا وهو الاستدلال على عظيم الصنع بطفوّ الفلك على الماء ، فلما أريد الانتقال منه إلى غرض آخر وهو العود إلى الامتنان بالمخر لنعمة التجارة في البحر عطف المغاير في الغرض.
[١٣ ، ١٤] (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤))
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى).
استدلال عليهم بما في مظاهر السماوات من الدلائل على بديع صنع الله في أعظم المخلوقات ليتذكروا بذلك أنه الإله الواحد.
وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في سورة لقمان ، سوى أن هذه الآية جاء فيها (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ) فعدي فعل (يَجْرِي) باللام وجيء في آية سورة لقمان تعدية فعل (يَجْرِي) بحرف (إلى) ، فقيل اللام تكون بمعنى (إلى) في الدلالة على الانتهاء ، فالمخالفة بين الآيتين تفنن في النظم. وهذا أباه الزمخشري في سورة لقمان وردّه أغلظ ردّ فقال: